الحمد لله وكفى, الذي بسط الأرض ورفع السماء وما اكتفى ،فقطرة من فيض جوده تبعث الشفا, وذرة من رحمته تداوي الفؤاد العليل وتقرب من غفل وجفى , واصلي واسلم على حبيبي ونور قلبي محمد المصطفى, وعلى اله وصحبه ومن بهديه اهتدى وبسنته اقتفى.. ثم أما بعد:
أخوتي في الله تعالوا بنا نحاسب انفسنا ونعاتبها ولو لدقائق معدوده ,فحري بنا ان نفعل ذلك ..كيف لا ونحن سنحاسب غدا امام من لا تخفى عليه خافيه في الارض ولا في السماء.. سيقف كل منا وحده امام الجبار وتعرض عليه "حساباته".. يومئذ لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.
يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18]، قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادّخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.
وفي الحديث عن أنس بن مالك عن رسول الله قال: { الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني } [رواه الإمام أحمد والترمذي]. وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن الخطاب أنه قال: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18] )،تجهزي بجهاز تبلغين به *** يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثاً
وحاذري سقطة الذل وانكسري *** باب كريم كم هدى وعفا
واخشي حوادث صرف الدهر في مهل *** واستيقظي لا تكوني كالذي سقطا
في هوة الذل كان فيها قطع مدته *** فوافت النفس سعيها كما سلفا
قال ابن قدامة في منهاج القاصدين: ( واعلم أن أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك، وقد خلقت أمارة بالسوء، ميالة إلى الشر، وقد أمرت بتقويمها وتزكيتها وفطامها من مواردها وأن تقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك وإن لزمتها بالتوبيخ رجونا أن تصير مطمئنة، فلا تغفلن من تذكيرها