لقد كان أبو بكر، رضي الله عنه رفيقا رحيما كثير الشفقة والرحمة، ولم يكن من عادته الشدة والقسوة، كما هو معروف عنه وعن سيرته رضي الله عنه، ولكن شأن هذه الحادثة المفتراة كان لا يحتمل، فقد كان يتناول عرض ابنته أعف نساء العالم وامرأة أفضل الأنبياء والرسل، ينزل جبريل في بيتها فيتلو وحي الله على نبيه، فلم يكن غضب أبي بكر رضي الله عنه انتقماً لنفسه وإنما كان لله - وإن كانت نفسه البشرية لا ترضى بالضيم الواقع عليها – وكان ما ينفقه على مسطح فضلا منه وإحسانا -.
فرأى أنه لا يستحق ذلك الفضل والإحسان، لعظم مساءته التي اقترفها، فقطع عنه النفقة، ومع ذلك يؤكد الله تعالى عليه تلك التأكيدات المتوالية، ليعفو ويصفح عن مرتكب ذلك الذنب العظيم، ويعيد إليه فضله: فقد نهاه في الآية الأولى عن الاستمرار في حلفه: ((ولا يأتل)) وذكره بالقرابة التي شرع الله وصلها، وبالمسكنة التي يستحق صاحبها الرحمة والإحسان، وبالهجرة التي هي من أعظم ما يتقرب به المسلم إلى ربه في سبيل دينه، ثم أمره بالعفو والصفح.
ثم أتبع ذلك بالتشويق الذي لا يقدر المؤمن العادي على عدم الاستجابة له، فضلا عن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبي بكر الصديق رضي الله عنه: ((ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم)) وكأن الله تعالى يذكر المؤمن بأنه إذا اعتدى عليه أخوه المؤمن فليغضب لانتهاك حرمة الله المتعلقة به، ولكن عليه أن يتجاوز عن زلة أخيه ويعفوكما يحب أن يعفو الله عنه إذا عصاه.
ومن المعلوم أن نفسية المؤمن حينما تكون متخلقة بأخلاق الحلم والعفو والتسامح فإنه يكون مثلا يُحتذى في الملاطفة وسمو الخلق ولين الجانب وحسن المعشر ..
ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك إلى هذا الخلق فقال : ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم ( اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) أخرجة الترمذي