- مصطفى صادق الرافعي
1298هـ-1356 هـ
ولد مصطفىِ صادق الرافعي سنة 1298 هـ ببلدة (بهتيم) بمحافظة القليوبية بمصر وبها قضى شطراَ من صباه والتحق بمدرستها الابتدائية.
ثم نقل أبوه إلى المنصورة فانتقل في صحبته، وفي المنصورة التحق بالابتدائية التي تخرج منها سنة 1315هـ ثم أصيب بالمرض الذي أضعف من صوته وأفضى بسمعه إلى الصمم فانقطع عن الدراسة وأقبل على مكتبة أبيه التي كانت تزخر بصنوف الكتب وكان أبوه من علماء الأزهر، ولذا كان مجلسه عامراً بالعلماء والأدباء ومكتبته زاخرة بنفائس الكتب ومن هذه المصادر الثلاثة: (أبو الرافعي الشيخ عبد الرازق، ومكتبته، ومرتادو مجلسه من العلماء) استقى الرافعي علمه وتحصيله.
ثم نقل الشيخ عبد الرازق إلى طنطا قاضياً بمحكمتها فانتقل معه ابنه مصطفى وبها عين كاتبا في المحكمة، وكان مثال الإخلاص والنشاط في عمله الذي لم يصرفه عن الإقبال على القراءة والكتابة وبقي بها حتى أحيل إلى التقاعد وكان قد رشح من رئيس التشريفات (نجيب باشا) لأن يكون شاعر الملك يمدحه في المناسبات فبقي كذلك حتى حل الإبراشي باشا محل نجيب باشا فاختلف مع الرافعي لأسباب غير معلومة ولذا هيأ الإبراشى المجال لعبد الله عفيفي كي يكون منافسا للرافعي فانقطع الرافعي عن مدح الملك، وانتخب عضوًا للمجمع العلمي بدمشق.
وكان منزله ومكتبته، ومقهى [ لمنوس ] أمكنة يرتادها تلامذة الرافعي ومحبوه وكان يتلقى أسئلتهم ويجيب عليها بصدر رحب، كما كان يبتهج بهؤلاء ويأنس بهم إلى أن توفي رحمه اللّه سنة 1356هـ.
أدبه:
يعد الرافعي في زمانه حامل لواء الأصالة في الأدب، ورافع راية البلاغة فيه، ثم إنه الرجل الذي وقف قلمه وبيانه في سبيل الدفاع عن القرآن ولغة القرآن، ولذا وجدنا الصراع يشتد بينه وبن أولئك الذين استراحوا للفكر الغربي وأقبلوا عليه حتى وإن كان حربا على أمتهم ودينهم ولغتهم.
ولقد بدأ الرافعي حياته الأدبية شاعرَاَ وأصدر إذ ذاك ثلاثة دواوين أعجب بها أهل زمانه فأطلقوا عليه [شاعر الهوى والشباب] ووجد الرافعي أن الشعر لا يحقق له طموحاته فأقبل على النثر ولم يعد يهتم بالشعر إلا لماما.
ولقد كانت صلة الرافعي بالصحف مبكرة حيث أقبل عليها يودع صفحاتها مقالاته وبحوثه التي كان يطرق بها كل ميدان من ميادين الحياة، فيعالج قضايا المجتمع كالفقر والجهل وزواج الشيب بالشابات، ويركز على القضايا ذات الصبغة الإسلامية كمسألة السفور مثلاً.
ويقف بقلمه في وجو أعداء الإسلام الذين تكاثروا في ميدان الطعن فيه سواء منهم من كان من الغربيين، أومن مستغربي العرب، ويجعل من بيانه حصنا يصد عن اللغة العربية سهام المغرضين، ولقد عرف هؤلاء فيه قوته وصلابته فأرادوا استمالته إلى نهجهم من طريق إغرائه بالإمامة في الأدب في العصر الحديث.
ومن ذلك ما ورد في مقالة جبران التي صدها الرافعي في كتابه (تحت راية القرآن) أو (المعركة بين القديم والجديد) ولقد بدأ الرافعي حياته الأدبية بالهجوم على أرباب المراتب العالية في الأدب مثل البارودي والمنفلوطي فلما صار في المقدمة من أهل هذا الفن عاد واعترف بأن عمله ذلك كان من نزق الشباب، وهذا دليل على صدق الرافعي مع نفسه والناس.
ولم يكد منهج الرافعي يشتهر في الناس حتى أقبلوا عليه، وأقبلت معهم الصحف والمجلات وكان طبيعياً أن يجد من بعض مزامنيه من يقف في وجهه إما كرها لنهجه، وإما خوفاً من مزاحمته، وإما لأسباب أخرى ليس هذا مجال بسطها.
وكان من أهم أولئك عباس محمود العقاد والدكتور طه حسين وكان العقاد أكثرهم صلفاً في نقده ولذا خصه الرافعي بكتاب سماه [على السفود].
كما أودع كتاب [تحت راية القرآن] أو (المعركة بين القديم والجديد) ردوده على طه حسين وآخرين، وقد تتلمذ عليه كثير من الأدباء مثل حسنين مخلوف ومحمد سعيد العريان وآخرون كثير كانوا يراسلونه ويقصدونه في طنطا فيجلسون إليه ويأخذون عنه رحمه الله رحمة واسعة.
ويختلف أسلوب الرافعي اختلافاً واضحاً:
أ- فهو في وحي القلم، وتاريخ آداب العرب، سهل طبيعي تَسير معه فيه فلا تجد عناءً في فهم لغته وأسلوبه وإدراك مقاصده ومراميه.
ب- وهو في السحاب الأحمر ورسائل الأحزان مثلا أسلوب عصي شموس لا ينقاد لك إلا بعد أناة وتأمل وإطالة نظر ولعل مرد ذلك إلى أنه في النوع الأول كان يكتب متلمساً طريق فهم الآخرين. أما في الثاني فكان يكتب لنفسه صفحات أراد منها أن تكون صوراً للبلاغة وواحات للبيان اللغوي الجزل الذي لا يمتلك ناصيته إلا مثل قلم الرافعي رحمه الله.
آثاره:
كان الرافعي- رحمه اللّه- يكتب كثيرا وكان لا يدع خاطرة تمر دون أن يسجلها غير أن خطه كان رديئاً، ولذا ضاع كثير مما كتب، ومنه جزء كبير من كتاب (تاريخ الأدب) بعضه بسبب رداءة خط المؤلف ذكر ذلك العريان الذي حاول استخلاص ما يمكن استخلاصه من مسودات ومع هذا وجدت له المؤلفات الآتية:
1- دواوينه الشعرية التي خرج منها خمسة أجزاء ثلاثة باسم ديوان الرافعي والرابع باسم نظرات، والخامس باسم أغاني الشعب.
2- تاريخ آداب العرب وقد طبع منه الجزء الأول والثاني في حياة المؤلف، ثم جمع العريان ما استطاع جمعه وتصنيفه من مسودات الأجزاء الباقية فأخرجه في جزء ثالث، وعندي أن هذا الكتاب من أفضل ما كتب في تاريخ الآداب لو كملت مادته.
3- المساكين وكان الرافعي قد تأثر فيه بكتاب البؤساء لفيكتور هيجو.
4- حديث القمر.
5- رسائل الأحزان.
6- السحاب الأحمر.
7- أوراق الورد.
وهذه الكتب الأربعة نمط من الحديث في الحب العفيف قال الرافعي إنه أراد بها أن يوجد هذا الفن في النثر كما وجد في الشعر.
8- وحي القلم ويقع في ثلاثة مجلدات، وكان حصيلة ما نشر الرافعي في مجلة الرسالة في آخر حياته، وهو مجموعة مقالات عالج فيها قضايا الإسلام والأدب واللغة والمجتمع.
9- إعجاز القرآن ويعدونه جزءًا من تاريخ الأدب.
10- تحت راية القرآن أو (المعركة بين القديم والجديد) وهي مجموعة مقالات رد بها الرافعي على عدد من خصومه، ومن أعداء الإسلام.
11- رسالة الجهاد وقد طبعت باسم رجل طلب منه أن يكتب في هذا الموضوع فلما كتب وبعث بما كتب إلى صاحبه هذا طبع الرسالة باسمه ولم يذكر اسم المؤلف الحقيقي وهو الرافعي.
12- قول معروف، ورد ذكره واكتمال مادته، ولم يعرف عنه شيء.
13- وهناك مؤلفات ورد خبر بدئه في بعضها وتهيؤه للبدء في الآخر ولم نر شيئاً منها وهي:
1- أسرار إعجاز القرآن الكريم
2- حياة محمد صلى الله عليه وسلم
3- معارضة كتاب كليلة ودمنة
4- إتمام تاريخ الأدب العربي.
وعلى أي حال فإن مؤلفات الرافعي رغم كثرتها وغزارة مادتها لا تمثل المنزلة التي حظي بها الرافعي في الأوساط الأدبية، ومن دلائل هذه المنزلة ما كتب عنه من مؤلفات منفصلة، ثم ما ورد من ذكر له في جل مؤلفات أهل هذا العصر.