في سنة 1218م/615هـ، عندما كان الصالح أيوب طفلاً في الثانية عشرة من عمره، تعرضت مصر لحملة صليبية يقودها " جان دي بريين " ملك بيت المقدس (الحملة الصليبية الخامسة). وكان ذلك تطورا خطيراً في الحروب الصليبية إذ أن مصر منذ ذلك الحين أصبحت هدفاً للصليبيين الذين أدركوا أن مصر بإمكانياتها البشرية والاقتصادية هي حصن الإسلام ومصدر الإمدادات القوية الوفيرة من الرجال والسلاح، إن استولوا عليها سهل عليهم استعادة بيت المقدس وامتلاك الشام. [11] [12] تجمعت جيوش ممالك أوروبا في عكا ومنها أبحرت إلى مصر ونزلت بالبر الغربي من دمياط، وخرج الملك الكامل ، والد الصالح أيوب، بالجيش إلى دمياط لمواجهة الصليبيين. إلا أن القوات الصليبية نجحت في الاستيلاء على برج دمياط، ولما سمع السلطان العادل ( والد الملك الكامل وجد الصالح أيوب ) بما حدث، وكان وقتها مقيماً ببرج الصفر في الشام، دق بيده على صدره أسفاً وحزناً ومرض ومات بعد بضعة أيام. بموت العادل خلص ملك مصر للملك الكامل محمد ووقع عليه عبء الدفاع عن مصر. بعد حصار دام نحو ستة عشر شهراً سقطت دمياط في أيدي الصليبيين فقتلوا سكانها وحولوا جامعها إلى كنيسة [13]. ولما حاول الصليبيون التقدم داخل الأراضي المصرية حاصرهم المسلمون من كل الجهات حتى لحقت بهم الهزيمة فطلبوا الأمان مقابل رحيلهم عن دمياط [14][15]. وسلمت دمياط للمسلمين في 8 سبتمبر 1221م/ 19 رجب سنة 618هـ، ودخلها الملك الكامل على رأس أخوته وقواده وأجناده. وعقدت هدنة مداها ثمانية أعوام بين المسلمين والصليبيين [16] [17].
[عدل] الحملة الصليبية السادسة ومعاهدة السلام
الملك الكامل تحالف مع فردريكفي سنة 1227م/624هـ ساءت العلاقات بين الملك المعظم عيسى صاحب دمشق، وبين أخويه الملك الكامل محمد والملك الاشرف موسى. وطلب الملك المعظم مساعدة جلال الدين خوارزمشاه ملك دولة الخوارزمية ضد أخويه، فسعى الملك الكامل إلى إقامة حلف مع فردريك الثاني إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة وملك صقلية لمواجهة تهديد أخيه المتحالف مع الخوارزمية في الشرق، ولأنه من جهة ثانية كان يدرك صعوبة موقفه في حالة مهاجمة البلاد عن طريق حملة صليبية جديدة بينما هناك نزاع قائم بينه وبين أخيه الذي ساعده خلال الحملة الصليبية الخامسة. في سنة 1228م / 625هـ خرج فردريك الثاني على رأس حملة صليبية صغيرة قوامها 600 فارس فقط - مما يوضح أنه لم يكن يجهز لحرب حقيقية - ونزل عكا (الحملة الصليبية السادسة)، فأرسل إليه الملك الكامل رسوله فخر الدين يوسف بن الشيخ للتفاوض على عقد معاهدة بينهما [18][19].
في 18 فبراير 1229م تم توقيع معاهدة سلام مدتها عشر سنوات تقضي بتسليم بيت المقدس وبيت لحم والناصرة لفردريك بشرط ألا يقيم الصليبيون في بيت المقدس حصوناً أو قلاعاً، وأن تبقى منطقة المسجد الأقصى في أيدي المسلمين، وأن يتعهد فردريك بمحالفة الملك الكامل ضد جميع أعدائه حتى ولو كانوا صليبيين، وأن يضمن فردريك عدم وصول إمدادات صليبية إلى الإمارتين الصليبيتين أنطاكية و طرابس [20]. وفي 17 مارس 1229م دخل فردريك الثاني بيت المقدس في حماية قواته الألمانية و الإيطالية، وسلمه شمس الدين قاضي نابلس مفتاح المدينة نيابة عن السلطان الكامل [21]. وثارت ثائرة كل من المسلمين والصليبيين على حد سواء. وراح الواعظ والمؤرخ سبط بن الجوزي يشهر بالملك الكامل في دمشق، ورفض الصليبيون التعاون مع فردريك بإعتباره مسالماً للمسلمين، وخارجاً عن الكنيسة الكاثوليكية ومحروماً منها عن طريق جريجوري التاسع بابا الكنيسة الكاثوليكية [22][23].