عاشت رملة بنت أبي سفيان في بيت أبيها صاحب المكانة الرفيعة في مكة .. وأحد كبار زعمائها .. وهي ترى احترام الناس لها لأنها سليلة هذا البيت العريق من بيوتات مكة .. فهي ابنة شيخ بني أمية أبي سفيان ابن حرب.
وتزوجت رملة من عبيد الله بن جحش الأسدي (ابن عمة الرسول) ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد نزل عليه الوحي.
وتمضي الأيام .. وتدوي في مجتمع مكة الأخبار حول محمد وما ينادي به من دين جديد .. وانقلب المجتمع كله رأسا على عقب، ولم يعد هناك حديث إلا عن هذه الدعوة الجديدة، وما سوف يترتب عليها من تغيير الناس لمعتقدات الآباء والأجداد، وما سوف تحدثه من تغيرات في المجتم.. ونظرة الناس بعضهم إلي بعض .. وسخرية من عبادة الناس لحجارة صماء لا تنفع ولا تضر .. وكان أن آمن بهذه الدعوة عبيد الله وآمنت معه زوجته رملة بنت أبي سفيان.
ولم تطق مكة أن ترى من أبنائها من يدخل الدين الجديد، فزادت في عذاب المستضعفين منهم، وتربصت بأصحاب المكانة .. فقرر البعض الهجرة إلي الحبشة، وكان منهم عبيد الله وزوجته رملة. وفي هذه الأرض الغريبة كان إيمانها العميق بربها دافعا إلي أن تصبر وتتجه بكل كيانها إلي ربها أن يعينها في حياتها على أرض غريبة، وبين أناس تختلف تقاليدهم وعاداتهم عما ألفته في مجتمع مكة.
وكان عزاؤها أن ملك الحبشة "النجاشي" متعاطف مع المسلمين .. أكرم وفادتهم .. وأنزلهم منزلا كريما، لأنهم يؤمنون بالله كما يؤمن هو كمسيحي بالله .. وأنهم لا يعبدون حجارة .. وكان هو يأنف من إنسان يسجد لما صنعته يداه.
وكان من الممكن أن تعيش حياتها في الغربة كما يعيش أي مهاجر أرض غريبة، محتسبة عند ربها هذه الغربة إلا أنها ذات يوم قامت من نومها فزعة، فقد رأت زوجها في صورة قبيحة!! وتحيرت وهي تحاول تفسير هذه الرؤيا العجيبة، ولكن سرعان ما فهمت تأويل رؤياها عندما عرفت أن زوجها ارتد عن الإسلام وتنصر ..
استهوته الخمر والحياة على هواه وكان يحز في نفسها أنها أنجبت منه (حبيبة) .. التي أصبحت تكني (بأم حبيبة)..
زادت أحزانهما في الغربة. فأبوها (أبو سفيان بن حرب) واحد من أشد الناس كراهية لمحمد وما جاء به من الحق .. وكأنه وهب عمره للقضاء على الدعوة وصاحب الدعوة .. وهو لا يقل عداء للدعوة عن أبي جهل. وزوجها هو الآخر قد باع دينه بدنيا فانية.
وهي وحيدة مع طفلتها التي ولدت على أرض غريبة . ما أعظم أحزان هذه السيدة الجليلة. وإسلامها يأبى عليها أن تعود إلي أبيها في مكة . وردة زوجها أصابتها بخنجر في الصميم .. من أعماق .. أعماق نفسها..!
لقد بعثت مكة "بعمرو بن العاص رسولا من قبلها إلي النجاشي يؤلبه بما أوتي من مكر ودهاء على المسلمين .. وهناك على تلك الأرض الغريبة صمد المسلمون لهذه المحنة .. وأخذ جعفر بن أبي طالب .. أحد مهاجري مكة في الحبشة .. يرد على عمرو بن العاص أمام النجاشي .. ليكشف أمره .. وكان صورة مشرفة للمسلم الواعي المحافظ على دينه وشرف عقيدته .. ونبل الرسالة التي يؤمن بها.
قال جعفر للنجاشي وهو يشرح له الدين الذي من أجله هاجروا إلي بلاده تحسبا من بطش كفار مكة وجبروتهم.
ـ أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة .. ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار ويظلم القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفته، فدعانا إلي عبادة إله واحد، وأن نخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من أحجار وأصنام، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم .. وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فآمنا به، واتبعناه فيما جاء به، فعدا علينا قومنا .. فعذبونا ليردونا عن ديننا إلي عبادتهم، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلي بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك".
المصدر:
http://www.nourallah.com/shakseyat.asp?%C3%E3-%CD%C8%ED%C8%C9-%D1%E3%E1%C9-%C8%E4%CA-%C3%C8%ED-%D3%DD%ED%C7%