***
)قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً) (الكهف:103)
قوله تعالى: { )قُلْ } أي يا محمد للأمة كلها: (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً)
الجواب: نعم.
نريد أن نُخبَر عن الأخسرين أعمالاً، حتى نتجنب عمل هؤلاء، ونكون من الرابحين، وقد بين الله تعالى في سورة العصر أن كل إنسان خاسر، إِلاَّ من اتصف بأربع صفات:
1 - الذين آمنوا.
2 - وعملوا الصالحات.
3 - وتواصوا بالحق.
4 - وتواصوا بالصبر.
وهنا يقول:
***
)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (الكهف:104)
قوله تعالى: { )الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } يعني ضاع سعيهم وبَطل في الحياة الدنيا لكنهم:
{ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } فَغُطي عليهم الحق – والعياذ بالله – وظنوا وهم على باطل أن الباطل هو الحق، وهذا كثير، فاليهود مثلاً يظنون أنهم على حق، والنصارى يظنون أنهم على حق، والشيوعيون يظنون أنهم على حق، كل واحد منهم يظن أنه على حق، ولذلك مكثوا على ما هم عليه، ومنهم من يعلم أنه ليس على حق، لكنه – والعياذ بالله – لاستكباره واستعلائه أصر على ما هو عليه.
***
)أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً)
(الكهف:105)
قوله تعالى: { بِآياتِ رَبِّهِمْ } الكونية أو الشرعية؟
الظاهر كلتاهما، لكن الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم،كذبوا بالآيات الشرعية، ولم يكذبوا بالآيات الكونية، والدليل أن الله تعالى أخبر أنهم إذا سُئلوا: من خلق السموات والأرض؟ يقولون: الله - -، ولا أحد منهم يدعي أن هنالك خالقاً آخر مع الله، لكنهم كذبوا بالآيات الشرعية، كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كذبوا بما جاء به، فهم داخلون في الآية.
( وَلِقَائِهِ ) أي: كذبوا بلقاء الله، ومتى يكون لقاء الله؟
الجواب: يكون يوم القيامة، فهؤلاء كذبوا بيوم القيامة وجادلوا، وأُروا الآيات ولكنهم أصروا، قال الله تعالى: )أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ(77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً) (يّـس:78) يكذبنا فيه فقال: { مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [يس: 78] تَحَدٍّ! من يحييها؟ رميم لا فيها حياة ولا شيء؟
)قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يّـس:79)
ومن الذي أنشأها أوّل مرة؟
الجواب: هو الله، والإعادة أهون من الابتداء كما قال الله عز وجل : )وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)(الروم: الآية27)هذا دليل، إذاً الدليل على إمكان البعث، وإحياء العظام وهي رميم:
1 - أن الله تعالى ابتدأها ، ولما قال زكريا حين بُشِّر بالولد وكان قد بلغ في الكِبَر عتيا، إن امرأته عاقر، قال الله تعالى: )قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) (مريم:9) ، فالذي خلقك من قبل، وأنت لم تكن شيئاً قادر على أن يجعل لك ولداً.
2 - ) وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)(يّـس: الآية79)وإذا كان الله بكل خلق عليماً، فإنه لن يتعذر عليه أن يخلق ما يشاء، من الذي يمنعه إذا كان عليماً بكل خلق؟
الجواب: لا أحد يمنعه.
3 - )الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (يّـس:80) شجر أخضر يخرج منه نار، فالشجر الأخضر يضرب بالزند ثم ينقدح ناراً، وكان العرب يعرفون هذا، فالذي يخرج هذه النار، وهي حارة يابسة من غصن رطب بارد، يعني متضادان غاية التضاد، قادر على أن يخلق الإنسان، أو أن يعيد خلق العظام وهي رميم، ثم حقق هذه النار بقوله: { (فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ )
4 - )أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) (يّـس:81)
الجواب: بلى، قال الله تعالى: )لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) (غافر:57) فالذي خلق السموات والأرض بِكِبَرِهَا، وعظمها قادر على أن يعيد جزءاً من لا شيء بالنسبة للأرض، من أنت يا ابن آدم بالنسبة للأرض؟ لا شيء، أنت خلقت منها، أنت بعض يسير منها، فالذي قدر على خلق السموات والأرض، قادر على أن يخلق مثلهم، قال الله تعالى مجيباً نفسه: ) بَلَى)(يّـس: الآية81).
5 - )وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)(يّـس: الآية81)الخلَّاق صيغة مبالغة، وإن شئت فاجعلها نسبة، يعني أنه موصوف بالخلق أزلا وأبدا، وهو تأكيد لقوله قبل: {وهو بكل خلق عليم } [يس: 79 .
6 - )إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس:82)لا يحتاج إلى عمال ولا بنَّائين ولا أحد كن فيكون }؛ ولهذا قال : )إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) (يّـس:53)
كلمة واحدة.
7 - )فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) (يّـس:83)
كل شيء فبيده ملكوته عز وجل يتصرف كما يشاء، فنسأله عز وجل أن يهدينا صراطه المستقيم.
8 - { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [يس: 83] فهذا هو الدليل الثامن. وإنما كان دليلاً؛ لأنه لولا رجوعنا إلى الله عز وجل لكان وجودنا عبثاً، وهذا ينافي الحكمة، فتأمل سياق هذه الأدلة الثمانية في هذا القول الموجز، ومع ذلك ينكرون لقاء الله.
في قوله: { بِآياتِ رَبِّهِمْ } إلزام لهم بالإيمان؛ لأنه كونه ربهم عز وجل يجب أن يطيعوه وأن يؤمنوا به، لكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن.
( فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) يعني بَطَلَت ولم ينتفعوا بها، حتى لو أن الكافر أحسن وأصلح الطرق وبنى الرُّبط، وتصدق على الفقراء فإن ذلك لا ينفعه، إن أراد الله أن يثيبه عجل الله له الثواب في الدنيا، أما في الآخرة فلا نصيب له، نعوذ بالله نسأل الله الحماية والعافية، لأن أعماله حبطت، ولكن هل يحبط العمل بمجرد الردة أم لا بد من شرط؟
الجواب: لا بد من شرط، وهو أن يموت على ردته، قال الله تعالى: ) وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)(البقرة: الآية217). أما لو ارتد، ثم مَنَّ الله عليه بالرجوع إلى الإسلام، فإنه يعود عليه عمله الصالح السابق للردة.
( فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ) يعني أنه لا قدر لهم عندنا ولا ميزان، وهو كناية عن سقوط مرتبتهم عند الله عز وجل .
وقيل: إن المعنى أننا لا نزنهم، لأن الوزن إنما يحتاج إليه لمعرفة ما يترجح من حسنات أو سيئات، والكافر ليس له عمل حتى يوزن، ولكن الصحيح أن الأعمال توزن كُلَّها، قال الله تعالى: )فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ(6) )فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضية (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ(
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ(9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ(10) نَارٌ حَامِيَةٌ) (القارعة:11) . فيقام الوزن؛ لإظهار الحجة عليه، والمسألة هذه فيها خلاف