سيرته
أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، قيل اسمه كنيته وقيل اسمه المغيرة ابن عم رسول الله -صلى اللـه عليه وسلم- وأخو الرسول من الرضاعة اذ أرضعته حليمـة السعديـة مرضعة الرسول بضعة أيام، تأخّر إسلامه وكان ممن آذى النبي -صلى الله عليه وسلم-...
إسلامه
وأنار الله بصيرة أبي سفيان وقلبه للإيمان، وخرج مع ولده جعفر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تائباً لله رب العالمين، وأتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وابنه مُعْتَمّين، فلما انتهيا إليه قالا: (السلام عليك يا رسول الله)... فقال رسول الله: (أسْفِروا تَعَرّفوا)... فانتسبا له وكشفا عن وجوهِهما وقالا: (نشهد أن لا اله الا الله، وأنك رسول الله)...
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أيَّ مَطْرَدٍ طردتني يا أبا سفيان، أو متى طردتني يا أبا سفيان)... قال أبو سفيان بن الحارث: (لا تثريبَ يا رسول الله)... قال رسول الله: (لا تثريبَ يا أبا سفيان)... وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب: (بصِّرْ ابن عمّك الوضوء والسنة ورُحْ به إليّ)...
فراح به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلّى معه، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب فنادى في الناس: (ألا إنّ الله ورسولَهُ قد رَضيا عن أبي سفيان -بن الحارث- فارْضَوا عنه)...
جهاده
ومن أولى لحظات إسلامه، راح يعوض ما فاته من حلاوة الإيمان والعبادة، فكان عابدا ساجدا، خرج مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-فيما تلا فتح مكة من غزوات، ويوم حنين حيث نصب المشركون للمسلمين كمينا خطيرا، وثبت الرسول مكانه ينادي: (إلي أيها الناس، أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)...
في تلك اللحظات الرهيبة قلة لم تذهب بصوابها المفاجأة، وكان منهم أبوسفيان وولده جعفر، لقد كان أبوسفيان يأخذ بلجام فرس الرسول بيسراه، يرسل السيف في نحور المشركين بيمناه، وعاد المسلمون إلى مكان المعركة حول نبيهم، وكتب الله لهم النصر المبين، ولما انجلى غبارها، التفت الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمن يتشبت بمقود فرسه وتأمله وقال: (من هذا؟... أخي أبو سفيان بن الحارث؟)... و ما كاد يسمع أبوسفيان كلمة أخي حتى طار فؤاده من الفرح، فأكب على قدمي رسول الله يقبلهما...
فضله
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أبو سفيان أخي وخير أهلي، وقد أعقبني الله من حمزة أبا سفيان بن الحارث)... فكان يُقال لأبي سفيان بعد ذلك أسد الله وأسد رسوله...
كان أبو سفيان بن الحارث شاعراً ومن شعره بسبب شبهه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-...
هداني هادٍ غير نفسي ودلّني *** على اللهِ مَن طَرّدتُ كلَّ مطرّدِ
أفِرُّ وأنأى جاهِداً عن محمّدٍ *** وأُدْعى وإنْ لم أنتسِبْ بمحمّـدِ
ومن شعره يوم حُنين...
لقد عَلِمَتْ أفْناءُ كعـبٍ وعامرٍ *** غَداةَ حُنينٍ حينَ عمَّ التَّضَعْضُعُ
بأنّي أخو الهَيْجاء أركَبُ حدَّها *** أمامَ رسـول اللـه لا أتَتَعتَعُ
رجاءَ ثوابِ اللـه واللـه واسِعٌ *** إليه تعالى كلُّ أمـرٍ سَيَرْجِـعُ
وفاته
ذات يوم في سنة (2 هـ) شاهده الناس في البقيع يحفر لحداً، ويسويه ويهيئه، فلما أبدوا دهشهم مما يصنع، قال لهم: (إني أعدُّ قبري)... وبعد ثلاثة أيام لا غير، كان راقدا في بيته، وأهله من حوله يبكون، فقال لهم: (لا تبكوا علي، فاني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت)...
وقبل أن يحني رأسه على صدره لوَّح به إلى أعلى، ملقياً على الدنيا تحية الوداع، دفن -رضي الله عنه- في البقيع وصلّى عليه عمر بن الخطاب والمؤمنون...