الدين المعاملة
الإسلام دين الأخلاق القويمة ودين المعاملة الكريمة .. يظهر ذلك جليًا فى حديث النبى - صلى الله عليه وسلم - :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وفى قوله - صلى الله عليه وسلم - :" إن من أحبكم إلىَّ وأقربكم منى مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا " ولقد كان هذا واقعًا عمليًا فى حياة المسلمين فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤلف أصحابه ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ..وكان يتفقد أصحابه ويعطى كل جلسائه نصيبه ، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه ..من جالسه ، أو قاربه لحاجة صابره ، حتى يكون هو المنصرف عنه ..ومن سأله حاجه لم يرده إلا بها ، أو بميسور من القول..قد وسع الناس بسطة وخلقة ، فصار لهم أباً، وصاروا عنده فى الحق سواء ، وكان دائم البشر ، سهل الطبع، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب ، ولا فحاش، ولا عتاب ، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهى ، ولا يقنط منه قاصده وما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط فقال لا ، وكان يمازح أصحابه ، ويخالطهم ويجاريهم ، ويداعب صبيانهم ويجلسهم فى حجره ، ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويعود المرضى فى أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر ولا يجزى بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح وكان - صلى الله عليه وسلم - يمر ليلاً فيسلم سلاماً لا يوقظ نائماً ويسمع اليقظان ، وحمل إليه سبعون ألف درهم، فوضعت على حصير، ثم قام إليها يقسمها ،فما رد سائلاً،حتى فرغ منها.
روى أنه عليه الصلاة والسلام كان فى سفر وأمر أصحابه بإصلاح شاة فقال رجل: يا رسول الله علىَّ ذبحها ، وقال آخر :علىَّ سلخها .وقال آخر:علىَّ طبخها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"وعلىَّ جمع الحطب" ، فقالوا: يا رسول الله نكفيك العمل ، فقال:"علمت أنكم تكفوننى، ولكن أكره أن أتميز عليكم ، وإن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه".
ويوصى - صلى الله عليه وسلم - أصحابه المجاهدين قبل الغزو بقوله: "انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلاً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" .
وعن عبد الله بن مسعود قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير وكان أبو لبابة وعلى بن أبى طالب زميلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت عقبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا : نحن نمشى عنك فقال : "ما أنتما بأقوى منى ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما".
وعلى هذا النهج كان المسلمون دائمًا فهذا عبد الرحمن بن عوف - رضى الله عنه - يقول: لما قدمنا المدينة آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينى وبين سعد بن الربيع فقال سعد بن الربيع إنى أكثر الأنصار مالاً فأقسم لك نصف مالى وانظر أى زوجتى هويت نزلت لك عنها فإذا حلت تزوجتها فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لى فى ذلك هل من سوق فيه تجارة قال: سوق بنى قينقاع قال: فغدا إليه عبد الرحمن فأتى بأقط وسمن ثم تابع الغدو فما لبث أن أغناه الله وصارت قافلته تهز المدينة وهى قادمة.
وروى أن رجلاً من جند اليرموك ذهب يبحث عن ابن عم له بين القتلى والجرحى، وأخذ معه قدحًا من الماء ليسقيه، فلما عثر عليه وجده فى أشد ما يكون من التعب، فقال له: أتحب أن تشرب؟ فلم يستطع أن يكلمه، بل أشار إليه أن يقوم. وإذا برجل يئن ويتوجع، فأشار إلى الرجل أن يسقيه أولاً، ثم يعود إليه بالباقى، فذهب إليه فوجده هشامًا أخا عمرو بن العاص. فقال له: هل لك أن تشرب؟ قال: نعم فسمع آخرين فأمره أن يسقيه وهكذا حتى عاد بالماء إلى الأول فوجده مات ومات الجميع يؤثر كل منهم أخاه المسلم بالماء وهو فى رمقه الأخير.
وجاءت جارية للحسن تحييه بشىء من الريحان فقال لها: أنت حرة لوجه الله تعالى. فقيل له: جاءتك جارية بريحان فأعتقتها. فقال: قال الله تعالى: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها".
ولما يخرج عمر بن العزيز إلى المسجد ليلاً ومعه عسكره يتعثر فى رجل جالس فيقول له الرجل: أأعمى أنت؟ فيقول له سيدنا عمر: لا، فيهم الحرس بالرجل ليضربوه فيرد عليهم سيدنا عمر: سألنى سؤالاً وأجبته!! يالها من رحمة يغلفها التواضع وتحول بينه وبين الغضب والكبر خاصة وهو أمير حوله العسكر.
وشتم رجل أبا حنيفة وهو فى درسه وأكثر فما التفت إليه ولا قطع كلامه ونهى أصحابه عن مخاطبته فلم فرغ وقام تبعه إلى باب داره فقام على بابه وقال للرجل: هذه دارى، إن كان بقى معك شىء فأتمه حتى لا يبقى فى نفسك شىء، فاستحيا الرجل.
- من القرآن والسنة :-
لقد حدد رسول الإسلام الغاية الأولى من بعثته ، والمنهاج المبين فى دعوته بقوله :"إنما بعثت لأَتمم مكارم الأخلاق".
فكأن الرسالة التى خطت مجراها فى تاريخ الحياة وبذل صاحبها جهداً كبيراً فى مد شعاعها وجمع الناس حولها ،لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم ،وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم حتى يسعوا إليها على بصيرة .
والقرآن الكريم والسنة المطهرة يكشفان بوضوح عن هذه الحقائق من خلال أوامر ووصايا للمسلمين فيما يشبه دستورًا لهم ومنهاجًا بين الأمم ونكتفى هنا بذكر الآيات والأحاديث بلا تعليق فهى أكثر وضوحًا من أن نشرحها أو نعلق عليها :-
- يقول الله تعالى :-
"وبالوالدين إحسانًا". البقرة 83
"وقولوا للناس حسنًا". البقرة 83
"إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل". المائدة 58
"إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى". النحل 90
"إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم". الحجرات 10
"وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى". الأنعام 152
"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". المائدة 2
"خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين". الأعراف 199
" واخفض جناحك للمؤمنين ". الحجر 88
" وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله ". الشورى 40
" اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ". الحجرات 12
" ولا تجسسوا ". الحجرات 12
" ولا يغتب بعضكم بعضًا ". الحجرات 12
" لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن ". الحجرات 11
" ولا تلمزوا أنفسكم ". الحجرات 11
" ولا تنابزوا بالألقاب ". الحجرات 11
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ". النحل 126
" ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ". الأنفال 46
" وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا ". الفرقان 63
" ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم ". فصلت 34
" أوفوا بالعقود ". المائدة 1
" وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ". النساء 86
"ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة". الحشر 9
" إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة ". الحجرات 6
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ". النحل 125
" قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ". البقرة 263
" وإذا ما غضبوا هم يغفرون ". الشورى 37