تاريخ الخبر : 2009-05-03 09:14:33
عبد القادر بن محمد وفا القصاب
عبد القادر القصاب علم من أعلام الإذاعة والتلفزيون في سورية كتب عشرات الساعات الإذاعية ، ومئات الساعات التلفزيونية في الأدب والتراث والآثار وأعدها ، وقد عرضت كلها في سورية ، وأكثرها في أكثر المحطات العربية ونالت العديد من الجوائز .. وإلى جانب مشغله الإبداعي كلّف بالعديد من المهمات الإدارية ..
ـ ولد في ديرعطية 7/9/ 1942 .
ـ يحمل الثانوية الصناعية ، والثانوية العامة ـ الفرع العلمي ـ والإجازة في الآداب ـ قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية ، من جامعة دمشق .
ـ عمل في المديرية العامة لهيئة الإذاعة والتلفزيون منذ عام 1964 ، وحتى إحالته على التقاعد في 7/9 /2002 ، وكلف بالمواقع الإدارية البرامجية الآتية :
دائرة التصوير الخارجي .
دائرة الإعلانات .
مديرية القناة الأولى في التلفزيون .
ـ حصل على عدة جوائز في مجال كتابة البرامج وإعدادها ، منها :
جائزة أفضل سيناريو وإعداد عن عمله التلفزيوني ( ملامح من سورية ) في مسابقة صندوق الأمم المتحدة للسكان ، الجزائر عام 1990 .
الجائزة البرونزية عن برنامجه اللغوي الإذاعي ( شيء من حتى ) من مهرجان الإذاعة والتلفزيون في تونس عام 1995 .
الجائزة التقديرية من وزارة الإعلام ، سورية 1995.
الجائزة الذهبية لإعداد أحسن برنامج ثقافي عن برنامجه (أعلام العرب ) من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 1996 .
جائزة تقديرية عن أغنية ( كنا أطفال ) من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 1997 ، وهي في الذكرى الخمسين لإنشاء منظمة اليونيسيف .
جائزة مهرجان أصفهان التلفزيوني الدولي للفيلم الوثائقي الخاص عام 2006 عن فيلمه ( سورية ) .
ـ اختير عضو لجان تحكيم مهرجان القاهرة الثامن للإذاعة والتلفزيون 2002.
ـ يمارس الكتابة الأدبية والشعر ، وسلسلة ( أعلام العرب ) وهي من ثلاثين حلقة صيغت كلها شعراً ، فضلاً عن برامج أخرى .
ـ عضو في اتحاد الصحفيين .
بعد التقاعد الإداري :
ـ يعد برنامجاً أسبوعياً عن الشعر والشعراء يقدم على القناة الأولى في التلفزيون السوري ،وبعض البرامج والأفلام الوثائقية غير الدورية .
كيف بدأ الأستاذ عبد القادر عمله في الهيئة العامة للإذاعة و التلفزيون؟ :
بدأتُ عملي في هيئةِ الإذاعةِ والتلفزيون بعملٍ إداريٍ فنيٍ في محطةِ وصلِ قَلْدون ، وقَلدونُ البعيدةُ عن دمشقَ ستينَ كيلو متراً شمالاً تختفي في هضابِ القلمونِ فلا تَبينْ ، أمَّا المحطةُ فعلى جبلٍ لايحجبُها عن العيونِ إلاّ السحابُ إذ يَمرُّ دونَها في الشتاءْ ، وكنتُ قبلَها أكتبُ ، وأقولُ ، ولكنْ من قلدونَ قلتُ ونُشِرتْ لي قصائدُ مراتٍ قليلةً على صفحاتِ ( المضحك المبكي) و( الآداب)،ولن أنسى زيارةً لمفتشي الهيئةِ الرجلينِ الكبيرينِ شفيق جريدة ويحيى الزيناتي فقد أثنيا على عملي،وأردفا ذلك بكتابِ شكر ، فعزَّزا في قلبيَ محبةَ العمل ، وزيارةً لمديرِ عامِ الهيئةِ الأديبِ الرقيقِ علي محسن زيفا ، فقد رأى بين يديَّ كتاباً ، فَراقَه ذلك ، وشجَّعَني بكلماتِه الصافيةِ ، وأدبِهِ الرفيع .
وقبلَ أن أودِّعَ قلدونَ إلى دمشقَ قلتُ في ختامٍ قصيدةٍ لي ، وقد مَلِلتُ المقامْ :
لــــــيتَ الرياحَ التي ضَمَّتْ مَراكبَنا
قلدونُ ! تخبو ، وعالي الموجِ ينحسرُ
وتطلعُ الشمسُ ، والأمواهُ تحجبُنا
منكِ المكوثُ ، ومني يرتوي السَّفَرُ
وفَضلةُ الزادِ ذكرى ، مايُغيِّرُها
مهما تَنكَّرَ في أثوابِهِ العُمُرُ
سجيةً أَلِفَ المنفي جزيرتَهُ
وفي الإقامةِ يحلو المَركبُ الوعِرُ
ولنْ أودِّعَها اليومَ قبلَ أنْ أؤديَ للمهندسِ رشيد حلموشي مالَه عليّ ، فقد علَّمَني في دورةٍ امتدتْ شهوراً بدمشقَ ، أنا وحوالي ثلاثينَ من الشباب ، ممن سبقَ لهم العملُ أوعلى أبوابِه ، وفي النهاية كنتُ بين طلبتِه المجلِّي ، ولاأعزو الفضلَ لنفسي ، بل لأنَّ رشيداً جمعَ خصالَ المعلمِ ؛ سَعةَ علمٍ،وإخلاصَ قلبٍ ، وقدرةً على نقلِ مافي عقلِهِ إلى عقولِ الناس .
الإنتقال لإعداد برامج إذاعية إلى جانب العمل الإداري.
في دمشقَ شرعتُ بإعدادِ البرامجِ الإذاعية ، مع عملٍ إداريٍ فنيٍ في التلفزيون ، فالكتابةُ والإعدادُ في الهيئةِ ليسا وظيفةً مُدرجةً على المِلاك ، بل هما لمن عندَهُ المؤهلاتُ ، وتحتاجُ إلى مايقومُ به البرامجُ ، وتوافقُ عليه الإدارة ، وكانتِ البدايةُ في برنامجِ ( قبساتِ الأمس ) الإذاعي،وقد أعددتُهُ أنا وأخي عبد الحليم ، وأدَّى قسطاً من كلماتِهِ الراحلُ القديرُ نزار شرابي .
إلام ترد توجهك لإعداد البرامج التاريخية و الثقافية ؟
توجهتُ لإعدادِ برامجِ التراثِ من أدبيةٍ وفكريةٍ وتاريخيةٍ ، نتيجةَ ميولي التي اكتسبتُها من أسرتي ، فوالدي وجدي كان لهما هذا الاهتمامُ مع إبحارِهما في علومِ الشريعةِ ، وآدابِ القوم ، وقد تركَني والدي أنا وإخوتي نسعى في مكتبتِهِ ، ونقرأُ مانشاءُُ بأنفسِنا ، أدباً ولغةً وتاريخاً وفنوناً أخرى ، من دونِ تدخلٍ منه ، وقد سألتُه مرةً وأنا في الصف الثاني الابتدائي عن معنى كلمةٍ فلم يُجبني ، بل أحالَني إلى معجمِ مختارِ الصحاحِ للرازي ، وعلَّمَني كيفَ أبحثُ عن الكلمةِ ، ثُم جهدتُ للوصولِ إليها ، ومازالَ ذلكَ دَيدني ، ولكني استبدلتُ بالمختارِ كنزَ العربيةِ الأوفى ( لسانَ العربِ ) لابنِ منظور .
أبرز المحطات التي قامت بعرض اعمالك و ما شعورك تجاه ذلك؟
وعن المحطات العربية التي بثت برامجه وشعوره تجاه ذلك قال: كلُّ المحطاتِ التلفزيونيةِ العربيةِ من دونِ استثناء ، أمّا الشعورُ فهو الرضا ، ويبلغُ حقيقتَهُ عندما يأتي إنسانٌ ، ويقول : لقد وصلَني ما أردت .
ومايبرحُ ذاكرتي شواهدُ بعينِها ، أوردُ بعضَها ، فقد سعى إليَّ داودُ يعقوب أحدُ كبارِ الإعلاميينَ والمذيعينَ ليقولَ لي كلماتٍ صدرتْ عن قلبٍ كبير ، ورسالتانِ من الرباط ومن تونس تصفانِ تَقبُّلَ الناسِ لفيلم (بلدي) التلفزيوني الذي بُثَّ هناك ، ورجلٌ نقلَ إليَّ إعجابَ أمِّهِ بهذا الفيلم ، وهي لاتَقرأُ ولاتَكتب .
ما هو سر النجاح في العمل ؟
في أعمالي الإذاعيةِ والتلفزيونيةِ كانَ لي هدفٌ واضحٌ لم أحِدْ عنه ، وهو أنْ أقبِسَ من فكرِنا وحياتِنا وأدبِنا في كلِّ المجالاتِ ـ أيامَ كانتِ الحضارةُ العربيةُ هي الحضارةُ ، وثقافتُها هي الثقافةُ ـ مواقفَ وأفعالاً وسلوكاً لم تزل إلى اليومِ تحملُ قِيمَها الإنسانيةَ التي لنْ يَمرَّ عليها الزمن ، وأن أُقدِّمَ ماأستطيعُ منها بالنصِّ الحرفيِّ الدقيق ، لأنه لا يُعبَّرُ بأفضلَ منه من جهة ، ولأنَّه من سحرِ البيانِ من جهةٍ أخرى ، وفوقَ ذلكَ لكي يُصغيَ مشاهدٌ ومستمعٌ إلى نماذجَ من عربيةٍ صافيةٍ ، لم تَشُبْها عُجمةٌ ، أو يُخالطْها ضَعفٌ ، أو يَعتورْها قِلَّةُ وضوح ، ولهذا حرصتُ على أن ينهضَ بهذا العبءِ نساءٌ ورجالٌ أُشربتْ قلوبُهم حبَّ العربيةِ ، وكانَ أداؤها عندَهم من القداسةِ بمكانٍ مكينْ ، تلكَ سبيلي فيما عملتُ في كلِّ الفنونِ الإذاعيةِ والتلفزيونية ، فإنْ استطعتُ أنْ أُعليَ شمعةً ، هيَ مُنارةٌ،فهو حسبي :
وعليَّ أنْ أسعى ، وليسَ ..
علــــــيَّ إدراكُ النجاحِ
أيهما كنت تفضل العمل في الإذاعة أم التلفزيون و لماذا ؟
عملتُ في الإذاعةِ وفي التلفزيون ، وماأزالُ ، ولكلٍ سجاياهُ ، فإنْ كانَ التلفزيون يملكَ الصوتَ والصورةَ معاً بكلِّ أطيافِهما ، فمازالتِ الإذاعةُ تذهبُ مع المستمعِ أينَما يذهب ، ومع محاولةِ التلفزيون أن يُنافسَها ، إلاّ أنَّه لم يبلغْ بعد ، ولعلَّ الإذاعةَ بغيابِ الصورةِ تدعُ للمستمعِ أنْ يرى مايراه ، وعينُ الخيالِ إنْ أُطلقتْ رأتْ مالاتراهُ عينُ الجسد .
هلا تحدثنا عن زملاء لك تعاملت معهم خلال مسيرتك المهنية ؟
مرَّ على سمعِ الإذاعةِ والتلفزيونِ ألوانٌ من أصواتِ الجمالِ ، ولكنْ لثلاثٍ منهنَّ شأوٌ بعيدٌ،إشراقةَ لفظٍ ، واقتدارَ أداءِ ، وتَمكُّنَ خافقٍ من لسان ، فإذا هنَّ يُلبِسْنَ الكلماتِ برداءِ القلبِ،ويُسبغْنَ على حروفِهِنَّ الحياة ، أمَّا أولاهنَّ ؛ وأنا هنا أسيرُ مع الزمن ، فالغائبةُ الجسدِ عبلة الخوريّ ، وكنتُ لها مستمعاً ، والثانيةُ السيدة عواطف الحفار ، والثالثة السيدة هالة الأتاسي،وقد أسعدني الحظُّ فكنتُ معهما ، وخاصةً السيدة هالة ، ومازلتُ ، فقد بلغَتْ في مراتٍ ـ ليستْ قليلةً ـ مَشارفَ النفسِ وشرفاتِ الإبداعْ ، ولئنْ تقاربنَ ، فلكلِّ روضٍ زَهَرٌ ، ولكلِّ زَهَرٍ أريجْ :
وقد يَتقاربُ الوصفانِ جداً
وموصوفا هما مُتباعدانِ
أما شيخُ المذيعينَ التلفزيونيينَ الصديقُ مهران يوسف ، فلا أفيهِ حقَّهُ ، فقد بدأتُ معهُ منذ عقودٍ، ولم يبرحْ يحملُ ما أختارُ وأقولُ إلى الناس .
وفي ميدانِ الإخراجِ عملتُ مع مَن سَبقتْ منهمُ الحسنى ، وشهدتْ لهم أعمالُهم بماكانوا يعملون،وفي المقدِّمةِ منهم رياض ديار بكر لي ، ومَن كان يجتهدُ في الدربِ ، وهو اليوم على سمعِ الناسِ وأبصارِهم كبسامٍ الملا والعمادينِ سيفِ الدينِ واليافيّ ، ومَن كانوا من الشبابِ الطموحِ،وبعضُهم اليومَ لهُ الصدارةُ في محطاتٍ عربيةٍ كخليل سطاس ، ويوسف سلامة ، وغازي بقججي ، وبعضُهم في مواقعَ هامةٍ في التلفزيون السوري كسهير سرميني ، وصالح إبراهيم،وسعيد الجراح ، وتبقى غادة مردم بك فمازالتْ تُخرجُ برنامجَ ( مع الشعر ) ، وتبذلُ مافي طاقتِها ، كماكانت منذُ سنين .
ومن الممثلينَ كانَ لي الشرفُ بالعملِ مع مَن ألِفوا القمةَ عقوداً وعقوداً ، الساحرةُ الصوتِ،الساحرةُ التمثيلِ ؛ منى واصف ، والمستولي بشخصيتِهِ على صوتِهِ وصورتِهِ ومشاهديه ؛ عبد الرحمن أله رشي ، والتي فُطرتْ على التمثيلِ ، فخَلبتْ ألبابَ الناسِ صبيةً ، وشدَّتْهمْ إليها وهيَ أمٌ رؤوم؛صباح الجزائريّ ، وتلكَ التي مازادتها السنونَ إلا إتقانَ تمثيلٍ ، وجمالَ حضورٍ ؛ سلمى المصري ، والذي يُلقي نظرةً على سطورٍ وأبياتٍ ، فتنطبعُ في ذهنِهِ ، ويؤدِّيها كأنَّه يحفظُها من زمنٍ سحيق ؛ أسعد فضة ، والشابُّ الذي مضى الزمنُ أمامَهُ ، فلم يَحفلْ بهِ ، فقامتُهُ الشامخةُ،وأداؤهُ البديع ؛ طلحة حمدي ، والفتاةُ التي أعطتْ بلا حدود ؛ التزامَ حضورٍ ، واجتهادَ تحضيرٍ ، فأعطاها الجمهور بلا حدود ؛ نادين ، وتضيقُ بي السطورُ لو تابعتُ ، فقَلَّ ممثلٌ وجدتُهُ على ناصيةِ الفنِّ لم أسِرْ معه في طريقٍ ، طالَ أم قَصُر .
أمّا في ميدانِ الغناءِ والإنشاد ؛ فقد صحبتُ صاحبَ المدرسةِ الشاميةِ في الإنشادِ ، مَن ألانَ الأفئدةَ بصوتهِ ، وعصفَ بالأرواحِ بروحِهِ ، وظلَّ قرناً لايُبارى ولايُجارى ؛ توفيق المنجد ، والذي ماأرادَ الشهرةَ وماأرادتْهُ ، إنْ شاءَ أطربَ سمعاً ، وإنْ يشأْ أبكى عيناً ؛ عبد القادر سحلول ، والشادي اللحنَ الجميل ؛ شادي جميل ، والهادئةُ ملامحُهُ ، المشتعلةُ أضالعُه ؛ عمر سرميني ، ومن الملحنينَ شيخُ الملحنينَ عبد الفتاح سكر ، وعلَمُ الموسيقينَ أمين الخياط ، وأميرُ الكمان عبد الهادي بقدونس ، وسادنُ الفنِّ الأصيلِ يوسف العلي ، والمبدعُ سمير حلمي ، وربيعُ الفنِّ أسعد خوري،والوفيُّ لقانونِهِ ورفاقِهِ ؛ عبد الوهاب عتمة ، وسوى هؤلاءِ وهؤلاءِ كثيرٌ ، كلٌ أخذتُ من فنِّهِ ، وقبستُ من لحنِهِ .
والعملُ الفنيُّ بشتى صورِهِ ـ وخاصةً التلفزيونيَّ منهُ ـ عملُ جماعةٍ ، ولايصلُ إن لم يَبذلْ كلٌ وُسْعَهُ ، ويُنكرْ في لحظاتٍ ذاتَهُ ، ومالهذا وذاكَ من جسدِ هذا العملِ ، مهما كَبُرَ ، إلا القليلْ ، أما الروحُ فهيَ حصادُ تلكَ الأرواحْ .
ماذا عن تجربتك في مجال اعداد برامج للأطفال؟
ماتوجهتُ إلى إعدادِ برامجَ للأطفالِ إلاَّ في مراتٍ نادرة ، وقد كتبتُ أغنيةً وأعددتُها للتلفزيونِ في عيد منظمةِ اليونيسف الخمسينَ ، وهي ( كنّا أطفال ) ونالت شهادةَ تقديرٍ من مهرجانِ القاهرةِ عامَ سبعةٍ وتسعين .
أحب جائزة نالها الأستاذ عبد القادر من بين الجوائز التقديرية و لماذا ؟
كلُّ جائزةٍ تعني أنَّ الإنسانَ قد أصابَ أو أجادَ ، هنا أو هناك ، وأنَّ ماصنعهُ لم يكنْ صرخةً في واد ، ولكنَّ تقديرَ وزارةِ الإعلامِ هو الأحبُّ إليَّ ، لأنهُ من بلدي ، وممن عملتُ معهم،وعرفوني السنواتِ الطوال ، وهو ليسَ عن عملٍ ما ، بل عن رحلةِ حياةْ .
من من الأشخاص الذين كان لهم أثر على حياتك المهنية ؟
لقد كانَ من حُسنِ طالعي ، أن تكنَّفتْني الرعايةُ من كلِّ جانب ، فقد نَعِمتُ برعايةِ وزيرينِ جعلا عملَهما حياتَهما أحمد إسكندر أحمد الذي خطا وسار ، ولكنه رحلَ وهو على درجِ الشباب ، ومحمد سلمان الذي بقيَ عقداً من السنين وثلثَ عقدٍ آخر ، فحقَّقَ الكثيرَ ، وكان يومُهُ خيراً من أمسِه .
وقد كانَ لي من المديرينَ ـ وقد سعدتُ بالعملِ معهم وهم كثرٌ ـ جميلُ رأيٍ ، وحُسنُ قَبول ، ولكنْ لاثنينِ منهم عندي موقعٌ لايُشارك ، أمَّا أولُهما ففؤاد بلاط ، فقد مكثَ في المديريةِ سنوات ، وكنتُ أعملُ ماأجدُهُ يصلحُ للشاشةِ ، وأقدرُ عليه،وكانَ يَقبلُ ذلكَ ثقةً منهُ وكرماًً ، بل كان يُلزِمُني ببرامجَ حينَ كنتُ أُوثرُ الدعَةَ ، وأرتدُّ إلى وراء ، وكان حريصاً أن يرى ماصنعت ، وأن أسمعَ منه نقدَ خبيرٍ ، ورأيَ بصير ، وآخرَ مرةٍ شاهدَ عملاً لي قالْ :
اتخذْ لك ناقداً سواي ، فقد بِتُ أنظرُ إلى عملِكَ بعينِ مُحب ، والحقُّ أنه منذ البَدءِ كان ينظرُ بتلك العينِ ، وذلكَ القلب ، ولم يكن هذا دأبَهُ معي فقط ، وهو لي وادٌّ ، وأنا أطوي جَناحيَّ لهُ على محبةٍ وإعجاب ، بل مع كلِّ مَن يَظنُّ فيه .. ، ولعلَّ ذلك ماجعلَه ربانَ سفينةٍ ماهراً ، وكم كانتِ الأمواجُ عاتيةً ، والعواصفُ هوجاء .
أما الآخرُ فخضر عمران ، فهو الذي دعاني إلى الإذاعة ، وأشرعَ أماميَ الأبواب ، وحينَ تسلَّمَ الإدارةَ أشهراً قصاراً كانَ وراءَ عملينِ لي سارا قدرَ مايستطيعان ، إعدادُ حفلةِ السيدة فيروز في بصرى عام خمسة وثمانين للتلفزيون ، وكانت قد غابت عن دمشق أعواماً ، وغُصَّتِ الدروبُ عساها تُبصرُ من شدَتْ للشامِ : ياشآمْ ! والفيلمُ التلفزيوني ( بلدي ) الذي بُثَّ في محطاتِ كل الدول العربيةِ عند افتتاحِ القمرِ الصناعي العربي ولكنْ للقدرِ أحياناً غيرُ طريق :
تَقفونَ ، والفَلَكُ المحرِّكُ دائبٌ
وتُقدِّرونَ ، فتَضحكُ الأقدارُ
فقد بُثَّ العملانِ ، وترامتْ إلى الهيئةِ أصداؤهما ، ولكنَّ خضراً كانَ قد غدا في موقعٍ آخر ، فقطفَ الثمارَ سواه ، و ( ربَّ ساعٍ لقاعدِ ) ، فأمام روحِه أنحني ، فقد كان لي منه حدبُ أخٍ ، ومودةُ صديقٍ ، وكان فيه الكثيرُ من سجايا الرجال .
هل كان ببال عبد القادر حلم و لم يتحقق ؟
على الصعيدِ الإداريِّ البرامجيّ كان حلمي ، ومايزالُ ،أن تُنشأَ دائرةٌ مختصةٌ ، تُعنى بسوريةَ تاريخاً وآثاراً ، وألاَّ يكونَ لها عملٌ سوى هذا فتُوضَعُ خِطةٌ عامةٌ شاملة، من بعدِها تُدرَجُ المراحلُ التاريخيةُ والآثارُ ، كلٌّ في قوائمَ منفصلة ، مرتبةً حسبَ الأهميةِ من اعتباراتٍ شتى،وحسبَ ماسلمَ به الأثرُ من يدِ إنسانٍ وزمن ، وأنْ يُكلَّفَ مَن عندَهُ القدرةُ لإعدادِ سلاسلَ من هذهِ البرامجِ تغطِّي مع السنواتِ جزءاً من هذه الموضوعات ، فتَغنى بها الشاشةُ ، وتُزوَّدُ بها السفاراتُ والمكتبات ، والمراكزُ المهتمةُ في سوريةَ والعالم ، وأعلم أنه طموحٌ كبيرٌ ، ويحتاجُ إلى مالٍ ورجال ، ولكنْ ( لابدَّ مما ليسَ منهُ بدُّ ) وكلُّ لبِنةٍ تضافُ إلى أختِها ، وتُشرقُ من بعدُ ملامحُ البناءْ .
أمّا على الصعيدِ الشخصيِّ فماأكثرَ ماأفكِّرُ بهِ ، وماأكثرَ ماأحلمُ بأنْ يكونْ ، ولكنْ .. :
أمانيُّ من سُعدى حِسانٌ ، كأنما
سقتْنا بها سُعدى على ظَمأٍ بَرْداَ
مُنىً إنْ تكنْ يوماً تكنْ أسعدَ المنى
وإلاّ فقد عِشنا بها زمناً رَغْداَ
بإعتبارك صلة الوصل بين ماضي التلفزيون و حاضره كيف تجده اليوم ؟
لقد زادَ عددُ العاملينَ كثيراً ، وتعددتِ القنواتُ إذاعيةً وتلفزيونيةً ، وتقدمتِ الوسائلُ التقنيةُ،وباتتْ الأقمارُ الصناعيةُ تمضي بصوتِ سوريةَ وصورتِها إلى أقاصي الأرض ، وماكانَ بالأمسِ حلماً أصبحَ اليومَ واقعاً ، ولستُ على اطلاعٍ في معظمِ المجالاتْ ، لذا سأقتصرُ على ناحيةٍ واحدة ، فقد بتنا نسمعُ من العاميةِ اليومَ أكثرَ مما كنا نسمع ، وباتتِ العربيةُ أقلَّ دوراناً على الألسنةِ حتى في برامجَ ثقافيةٍ ، وأزيدُ فأقولُ إنَّ بعضاً من الأصواتِ الجديدةِ غيرُ واضحةِ الحروفِ، فضلاً عن أن تُقيمَ ألسنتَها على سُننِ العربية ، وهذا لايُبهجُ النفسَ ، فدمشقُ كهف العربيةِ ، وحصنها، وحاضرةُ دولتِها ، ولئنْ جنحَ لعُذْرٍ مَن همْ في شرقٍ وغربْ ، ولاأرى لهم ، فماعذرُ القلب !
أفلا نذكرُ قولَ شوقي في رائعتِهِ الباكية :
سلامٌ من صَبا بردى أرقُّ
ودمعٌ لا يُكَفكَفُ ، يادمشقُ
دخلتُكِ ، والأصيلُ له ائتلاقٌ
ووجهُكِ ضاحكُ القَسَماتِ طَلْقُ
وحَولي فتيةٌ غُرٌّ صِباحٌ
لهمْ في الفَضلِ غاياتٌ ، وسَبقُ
على لَهَواتِهمْ شُعراءُ لُسْنٌ
وفي أعطافِهمْ خطباءُ شُدْقُ
لعلَّنا نعودُ ، ( والعودُ أحمد ) .
علاقة عبد القادر بالشعر ومن هم الشعراء الذين تأثرت بهم ؟
مازلتُ هاوياً عملي ، فأنا أكتبُ حين أشعرُ بالحاجةِ إلى الكتابة ، أو يُطلبُ إليّ ، وأقولُ الشعرَ عندَما يُحرِّكُ شيءٌ ما ـ جَلَّ أو صَغُرَ ـ شيئاً في نفسي ، وحينَ أفعلُ أجِدُ الراحةَ ، ولايَعنيني كثيراً مصيرُ ماقلتْ .
أمَّا الشعراءُ ؛ فأنا أقرأ لهم جميعاً ، وأقفُ طويلاً أمامَ قصائدَ ومقطَّعاتٍ ، لأعلامِهم ولمن أشاحتْ عنهم الشهرةُ أو المعرفةُ بوجهٍ صفيق ، ويُزيَّنُ لي أنَّ كلمةَ عليِّ بنِ أبي طالب رضي الله عنه :
( لايُعرَفُ الحقُّ بالرجالِ ، اعرفِ الحقَّ تعرفْ أهلَهُ )
تنطبقُ على الشعراءِ والشعرْ ، ومع هذا فلا أجدُ أكثرَ إبداعاً ، وتحليقاً وراءَ صورةٍ ومعنى وخيالٍ من ابنِ جاسمٍ حبيبِ بنِ أوسٍ ، ولاأعذبَ لفظاً ، وأجملَ جَرْساً من ابنِ مَنبجَ الوليدِ بنِ عُبادةَ،ولاأسمى فِكراً ، وأنبلَ عاطفةً ، وأصدقَ قولاً ، وأنزهَ نفساً من ابن المعرةِ أحمدَ بنِ عبدِ اللهِ ويبقى لابنِ منبجَ الآخرَ نَفَثاتُ مَصدورٍ ، لا يُرجِّعُها نايٌ سواهْ .
وكثيراً ماأُفاجأُ بأبياتٍ لشعراءَ مانبُهَ صِيتُهم فيه ، فأُدركُ ، وأنا أتتبَّعُهُ من المهد .. أني مازلتُ في الشاطئِ القريبْ ، ولعلَّ القاضيَ الفاضلَ عبدَ الرحيمِ البيسانيَّ وزيرَ صلاحِ الدينِ يوسفَ بنِ أيوبٍ خيرُ مثال ، فهو عَلَمُ الكتابةِ في عصرِهِ ، مع مزايا أخرَ ، وكنتُ أحسِبُ أنه في الشعرِ لايجري إلى أمدٍ بعيد ، فملكتْ عليَّ العقلَ والقلبَ قطعةٌ لهُ في دمشقَ حينَ زارَها وغادرَها :
يَستهلُّها بقولِه :
ليسَ في الأرضِ ما يَفوقُ سوى الشامِ ..
وَدَعْني مِن سائرِ الآفاقِ
يارياحَ الشآمِ ! أنتِ رسولٌ
يَتعنَّى في حاجةِ العُشَّاقِ
وإذا زرتِ غُلَّتي بنسيمِ
قامَ بينَ الحشا مَقامَ العِناقِ
ويختمُها بقولِهِ :
عَلَّلوني عنِ الشآمِ بذِكْرٍ
إنَّ قلبي إليهِ بالأشواقِ
مَثَّلَتهُ الذكرى لعيني كأني
أتَمشَّى هناكَ بالأحداقِ
عَذَّبَ اللهُ بالتَنائي التَنائي
وأذاقَ الفراقَ طعمَ الفراقِ
وفي العصرِ الحديثِ لاأحدَ يُداني أحمدَ شوقي في سَعةِ قلبِهِ ، وغنى لغتِهِ ، وغزارةِ ينابيعِه، وبدويُّ الجبلِ إن تغزَّلَ بليلاهُ أو شآمِهِ بلغَ سِدرةً هيَ المنتهى أو تُخال ، ولمحمود درويش جَنةُ فَرادةٍ ، وللسيَّابِ والصوفيِّ ، وإن تقطَّعَتْ بهما الدروبْ ، أمَّا نسيبُ عريضةَ ؛ فلمْ يُقدَرْ حقَّ قدرِهْ .
ما هي المحطة الهامة في حياتك ؟
المحطةُ الهامةُ هي التي لمْ تأتِ بعدْ ، وأنا لها على سُحبِ الانتظار :
أتمنَّى تلكَ الليالي المُنيراتِ ..
وجَهْدُ المُحِبِّ أن يتَمنَّى
* * *
إعداد وتحرير : كمال جمال بك – لميس اسماعيل