في السابع والعشرين من شهر رجب، وكان (ص) كعهده دائماً مشغولاً بعبادته في الغار، وإذا بجبرائيل - ملاك الرحمان - يظهر أمامه، وما إن تطلع إليه حتى بادره قائلاً: (اقرأ). لكنّ محمداً (ص)، والذي لم يكن قد تلقّى أيّ تعليمٍ، وهو لا يحسن القراءة أو الكتابة، أجاب متعجّباً: وماذا أقرأ؟ فأنا لا أحسن القراءة قال جبرائيل مكرّراً أمره: «اقرأ» لكنّه وللمرة الثانية سمع الرد نفسه، وحين كرر قوله للمرة الثالثة، أحسّ محمد (ص) أنّ باستطاعته أن يقرأ.(اقرأ باسم ربّك الذي خلق). وهكذا اختار الله سبحانه محمداً (ص) للنبوّة، وهو في سن الأربعين، وكلّفه بأن يقوم بهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات والشرك والجهل الذي هم فيه، إلى رحاب العلم ونور الإيمان، وأن يرشدهم إلى طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
(وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين) (الأنبياء - 107).
نزل الرسول (ص) من الجبل مضطرباً وتوجّه إلى بيته، وهناك كانت أوّل امرأة آمنت به، وهي زوجته خديجة، وأوّل رجلٍ مد يده إليه بالبيعة، ابن عمه الفتى علي بن أبي طالب، الذي تربّى في بيت الرسول (ص) منذ نعومة أظفاره.
وأنذر عشيرتك الأقربين
كان النبي (ص) حين يقوم للصلاة، يقف عليّ (ع) عن يمينه وتقف خديجة من ورائه، واستمر الأمر كذلك، حتى أمر أبوطالبٍ ولده جعفر باتّباع الرسول (ص). ثم نزل إليه أمر الله تعالى، بأن يقوم بدعوة أهله وعشيرته الأقربين إلى الإسلام (وأنذر عشيرتك الأقربين) (الشعراء - 214).
فدعا (ص) إلى بيته ما يزيد على أربعين فرداً من بني هاشمٍ، وبعد أن تناولوا الطعام، وقف بينهم، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شابّاً في العرب، جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟».
ومن بين الحضور جميعهم، وقف عليّ (ع) وهو ما يزال ابن عشر سنواتٍ، وأعلن استعداده لمؤازرة الرسول (ص). كرّر الرسول (ص) قوله ثلاث مراتٍ، وكان الوحيد الذي استجاب له في المرّات الثلاث هو عليّ (ص).
بقي الرسول (ص) يدعو إلى الإسلام سرّاً، لمدّة ثلاث سنوات، واستجاب لدعوة الإيمان عدد قليل من الناس