ورقة بن نوفل ، هو أحد الحنفاء في الجاهلية اسمه : ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصى الذي يجتمع نسبه مع نبي الإسلام في قصى بن كلاب الجد الرابع لنبي الإسلام . يقول ابنُ مَنِّ الله في حديقة البلاغة في رده على ابن غرسية : ” وكانت فيهم ( أى العرب ) الملّة الحنيفية الإسلامية ، والشريعة الإبراهيمية ، ومن أهلها كان قس بن ساعدة الإيادى ، وورقة بن نوفل ، وزيد بن عمرو من بنى عدى ” ( نوادر المخطوطات 1/ 327 ) .
ومما يدل على اعتناق ورقة للتوحيد قوله لبعض أصحابه الذين رفضوا عبادة الأصنام : ” تعلمون ، والله ماقومكم على دين ، ولقد أخطأوا الحجة ، وتركوا دين إبراهيم ما حجر تطيفون به ؟ لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا ينفع ، ولا يضرُّ ، يا قوم التمسوا لأنفسكم الدين ” ( البداية والنهاية 2/ 341 وسيرة ابن هشام 1/ 242 والمنمق 175-176 )
ومن هذا النص يتضح لنا أن ورقة كان على دين إبراهيم ، ويدعو أصحابه أن يُثنوا أقوامهم عن عبادة الأصنام .
....................................................................................................
حياته و صحبته لرسول الإسلام
عُرف عن ورقة وبعض أصحابه أنهم يبحثون عن الحق دائماً ، ويشغلهم التفكر في أمور الدين ، لذا فقد خرج ورقة ذات يوم هو وزيد بن عمرو بن نفيل ، ليسألا عن الدين ، ورد في مسند الطياليسى : ” خرج ورقة بن نوفل ، وزيد بن عمرو بن نفيل يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل ، فقال لزيد بن عمرو بن نفيل : من أين أقبلت يا صاحب البعير ؟ قال من بيت إبراهيم . قال : وما تلتمس ؟ قال : ألتمس الدين . قال : ارجع ؛ فإنه يوشك أن يظهر الذى تطلب في أرضك ” ( مسند الطياليسى 32 ).
-شاهد على نبوة نبي الإسلام- عن أبى ميسرة عمرو بن شرحبيل قال ورقة بن نوفل لمحمد: أبشر ثم أبشر ، ثم أبشر ، فإنى أشهد أنك الرسول الذي بشر به عيسى برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد ، فأنا أشهد أنك أنت أحمد ، وأنا أشهد أنك محمد ، وأنا أشهد أنك رسول الله ، وليوشك أن تؤمر بالقتال وأنا حى لأقاتلن معك . فمات ورقة . فقال نبي الإسلام : رأيت القس في الجنة عليه ثياب خضر ” ( مصنف ابن أبى شيبة 14 / 293 – سيرة ابن اسحاق 113 – دلائل النبوة للبيهقى 2/ 158 البداية والنهاية 3/ 9-10 – نسب الأشراف 106 ). وورد عن رسول الإسلام أنه لما سُئل عن ورقة قال : ” أبصرته في بطنان الجنة عليه سندس ” ( مسند أبى يعلى 2/ 299 تحقيق وتعليق إرشاد الحق الثرى ” .
وقال السهيلى في الروض الأنف : ” ورقة قد ثبت إيمانه بمحمد عليه السلام ” ( الروض الأنف 1/173 ) . ويقول ابن القيم الجوزية في زاد المعاد : ” واسلم القس ورقة بن نوفل ، وتمنى أن يكون جذعاً إذ يخرج رسول الاسلام قومه وفى جامع الترمذى أن رسول الاسلام رآه في هيئة حسنة . وفى حديث آخر أنه رآه في ثياب بيض ” ( زاد المعاد 3/21 ) .
ومما سبق يتضح أن ورقة بن نوفل كان أول من آمن برسول الإسلام -محمد- من الرجال ، وأنه كان من صحابته ومن هذه الرواية نرى مدى حرص ورقة على التفكر في الدين و البحث في ذلك ، وقول الراهب له أن هناك نبى أوشك أن يأتى في مكة يدل على مدى شوق ورقة لمعرفة النبى الجديد الذي قرأ عنه في كتب التوراة و الإنجيل .
مرحلة نبوة محمد
حسب جميع المصادر، فإن ورقة كان قد إصيب بالعمى في هذه الفترة.
كتاب السيرة النبوية في جزءه الثاني يذكر قصة ورقة مع خديجة:
إنطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ، وهو ابن عمها ، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب ، وسمع من أهل التوراة والإنجيل ، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه رأى وسمع ؛ فقال ورقة بن نوفل : قدوس قدوس ، والذي نفس ورقة بيده ، لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر (2/ 74) الذي كان يأتي موسى ، وإنه لنبي هذه الأمة ، فقولي له : فليثبت .
فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة بن نوفل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف ، صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال : يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال له ورقة : والذي نفسي بيده ، إنك لنبي هذه الأمة ، وقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه ، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ، ثم أدنى رأسه منه ، فقبل يافوخه ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منـزله.
و في صحيح مسلم، خبر ذهاب خديجة و محمد له
فقالت له خديجة: أي عم! اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى . يا ليتني فيها جذعا. يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أَوَمُخْرِجِيَّ هم؟" قال ورقة: نعم. لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُوْدِيَ. وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.
شعره
كان ورقة بن نوفل أول من بشَّر السيدة خديجة بنبوَّة الرسول محمد بعدما أخبرته بما حدث أثناء سفر محمد مع ميسرة بتجارتها إلى الشام، وما كان من أمر السحابة التي كانت تظله حتى دخل مكة، قال لها: (لئن كان هذا حقاً يا خديجة، فإنّ محمداً لنبي هذه الأُمّة، وقد عرفت أنّه كائن لهذه الأُمّة نبي يُنتظر هذا زمانه!) (الروض الأنف ج2، 161). ولم يمض شهر أو أقل أو أكثر قليلاً على هذا الكلام إلاّ وتزوجت السيدة خديجة برسول الإسلام. ولورقة بن نوفل قصيدة في هذا يبدو من سياقها أنّها نُظِّمت بعد هذا الحدث لما فيه من ذكر لسفر رسول الإسلام بتجارة خديجة، واستبشار بنبوّته ووعد باتباعه، وفيها يقول بعاطفة جياشة مخاطباً السيدة خديجة (حسب رواية ابن إسحاق عن يونس) وهي من شعره:
أَتُبْكِرُ أم أنت الْعَشِيَّةَ رائحُ
وفي الصدر من إضْمَارِكَ الحزنَ قادح
لِفُرْقةِ قومٍ لا أحب فِرَاقَهُمْ
كأنك عنهم بعد يومين نازح
وأخبارِ صِدْقٍ خَبَّرَت عن محمد
يخبرها عنه إذا غاب ناصح
فتاك الذي وجهت يا خيرَ حُرَّةٍ
بِغَوْرٍ وبالنَّجْدَيْنِ حيث الصَّحاصِحُ
إلى سُوقِ بُصْرَى في الركاب التي غدت
وَهُنَّ من الأحمال قُعْصٌ دَوَالح
فخبَّرنا عن كلِّ خير بِعلمه
وللحق أبوابٌ لَهُنَّ مفاتح
بأن ابنَ عبدِالله أحمدَ مُرْسَلٌ
إلى كلِّ مَنْ ضُمَّتْ عليه الأباطح
وظنِّي به أنْ سوف يُبْعَث صادقاً
كما أُرْسِلَ العبدان هُودٌ وصالح
وموسى وإبراهيمُ حتى يُرى له
بهاءٌ ومنشورٌ من الذكر واضح
ويتبعه حَيَّا لُؤيٍّ جماعة
شيابُهم والأشْيَبُون الْجَحَاجحُ
فإن أبْقَ حتى يُدركَ الناس دَهرُه
فإني به مُسْتَبْشرُ الْود فارح
وإلاَّ فإني يا خديجة - فاعلمي
عن أرضِك في الأرض العريضة سائح
كان ورقة على دين النبي أبراهيم كما تقول معظم الروايات حيث كان رافضاً للديانة المسيحية لانحرافها برأيه و اليهودية لأنها كانت مختصة بشعب الله المختار كما زعم اليهود ، فدعى إلى التوحيد النقي على ملة أبو الأنبياء و الرسل أبراهيم، و له في ذلك شعراً:
لقد نصحتُ لأقوام، وقلتُ لهم:
أنا النذيرُ، فلا يَغْرُرْكم أَحَدُ
لا تَعْبُدُنَّ إلهاً غيرَ خالِقكم
فإن دَعَوْكُمْ فقولوا: بيننا جَدَدُ
سُبْحَانَ ذي العرشِ سُبْحاناً يدوم له
وقبلنا سَبَّحَ الجْوُدِيُّ والْجُمُدُ
مُسَخَّر كلُّ ما تحت السماءِ له
لا ينبغي أن يُناوي مُلْكَه أحدُ
لا شَيْء مما ترى تبقى بشاشتُهُ
يَبْقَى الإلهُ ويُودِي المالُ والْوَلَدُ
و حسب السيرة النبوية، المجلد الثاني. فإن ورقة كان يستبطئ نبوة محمد بعد مجيء خديجة له حيث قال في ذلك شعرا منه:
لججت وكنت في الذكرى لجوجا لهمّ طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي حديثك أن أرى منه خروجا
ورقة بن نوفل مصدر من مصادر الإسلام ؟؟
يزعم غير المسلمين أن النبي الإسلام تلقى القرآن و تعاليم الرسالة الإسلامية عن ورقة بن نوفل خصوصاً أنه كان متمكناً من العبرانية و درس الأديان كما تقول الروايات..لكن المسلمون يعتقدون ببطلان هذه الأقاويل لأنها مجردة من الدليل ، خالية من التحديد والتعيين ، ومثل هذه الدعاوي لا تقبل ما دامت غير مدللة ،كما أنه يشار أن ورقة لم يلتقي و لم يكن له أي علاقة متبادلة بالنبي تمكنه من تعليمه و تدريسه ،و إلا لكان طعن فيه قريش و احتجوا بذلك عليه الذين همهم كان أن يجدوا شيئاً يحد من انتشار الديانة الإسلامية في بداياتها و يرد المسلمون على فرضية أن القرآن مصدره ورقة بن نوفل مبنية على الخيال لأن روقة مات في السنوات الأولى للبعثة بعمر يزيد عن المئة عام ،إذ أنّ ورقة بن نوفل يكبر رسول الإسلام بستين عاماً كما هو صحيح في التاريخ....و قد بقى الوحي و القرآن ينزل على رسول الإسلام طوال 20 عاماً تقريباً بعد وفاة ورقة.حيث ورقة بن نوفل لم يعاصر التسلسل الزمني للحوادث الواردة في القرآن الكريم على مدى 23 سنة من نزوله منجماً ، إذ انه قد توفي كما في صحيح البخاري باب بدء الوحي في أول البعثة؟ فأين ورقة من سؤال يسأله المشركين أو اليهود أو غيرهم للرسول فنرى الإجابة قد وجدت في حينها وجاء القرآن يشرحها ويحدد موقفه منها كقول القرآن : " يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ .. " وكقوله : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ .. " وكقوله : " يَسئَلونكَ عن الخمرِ والميسرِ قُل فيهِما إثمٌ كبيرٌ ومنافعُ للنّاسِ وإثمُهُما أكبرُ مِن نَّفعهما، ويسئَلونَكَ ماذا يُنفقونَ قُلِ العَفو " ... كثيراً ما كان يسأل المؤمنون أو اليهود أو المنافقون أو المشركون، يسألون عن أشياء يريدون فهمها أو عن أشياء يريدون تعجيز الرسول وإظهاره بمظهر عدم العارف ليضعفوا من شخصيته ومهابته، وكان نزول القرآن مفرقا يتيح للرسول أن يتلقى الرد عليهم من جبريل بما يريد الله، ولذلك تجد كثيراً في القرآن (يسألونك) أو (يسألك الناس) وتجد الرد بعد ذلك حتى بلغ (يسألونك) نحو خمسة عشر سؤالا وجهت للرسول في أوقات متباعدة، ونزل القرآن للرد عليها ، فأين هو ورقة بن نوفل من هذه الأسئلة وهو الذي لم يعاصر التسلسل الزمني للحوادث الواردة في القرآن الكريم على مدى 23 سنة من نزوله؟ لماذا اختص ورقة بن نوفل محمداً من دون البشر ليوكل له مهمة النبوة و هو كان أميّ لا يعرف القراءة و الكتابة بالعربية و هي لغته و لغة قومه ، فكيف بقراءة العبرية و الآرامية و اليونانية و الترجمة و النقل منها ؟؟ ثم يسأل المسلم أن كان ورقة قد صنع نبى ، فلماذا لم يصنع من نفسه نبياً ؟؟ هل من الممكن أن يُضحى إنسان بنفسه إلى هذا الحد فلا يجعل من نفسه نبى ويصنع بدلا منه نبى آخر ؟؟ وإذا كان ورقة هو الذي يوحى للرسول بالوحى ، فلماذا استمر الوحى بعد وفاة ورقة سنوات عديدة ؟؟
راهباً أم متنصراً ؟
روى البخارى في صحيحه بخصوصه: ” كان امرأً تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبرانى ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمى ” ( صحيح البخارى : 1/3 ) . وأخرجه البخارى في كتاب الأنبياء بلفظ : ” وكان رجلاً تنصر يقرأ الإنجيل بالعربية ” ( صحيح البخارى 4/ 184 ) . وقال ابن اسحاق في السيرة : فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية ، واتبع الكتب من أهلها ، حتى علم علما من أهل الكتاب ” ( سيرة ابن هشام 1 / 243 ) . وفى تاريخ الطبرى : ” .. وكان ورقة قد تنصر ، وقرأ الكتب ، وسمع من أهل التوراة والإنجيل ” ( تاريخ الطبرى 2/ 302 ) . من خلال هذه الروايات يستشهد البعض على الصحابي ورقة بن نوفل أنه كان مبشراً أو راهباً ... لكن المسلمين يقرون ببطلان هذه الادعاءات المبنية على التأويل و المجردة من الدليل- على حد قولهم- ، فهم على حسب رواياتهم أن ورقة بن نوفل كان حنفياً على دين النبي أبراهيم. يقول الدكتور العلامة ” عويد المطرفى ” في كتابه ” ورقة بن نوفل في بطنان الجنة “ ( صادر عن رابطة العالم الإسلامى ) : ” فإن كان قد تنصر ، فمتى كان ذلك ؟ وكيف كان ؟ ومن دعاه إلى الدخول في المسيحية ؟ وفى أى الديار تنصر ؟ وإن كان تعلم المسيحية ، فمتى كان ذلك ؟ وعند من درسها ؟ وفى أى البلاد ؟ وفى أى المدارس ؟ وكم دام تحصيله لها ؟ “ ويعقب الدكتور المطرفى : ” ونحن إذا طلبنا إجابات عن هذه الأسئلة المُلحّة التي طرحناها بشأن ما تنسبه الروايات الحديثية ، والتاريخية إلى ورقة بن نوفل من الدخول في النصرانية ، والاستحكام فيها ، واتباع كتبها من أهلها في الجاهلية ، لم نجد لأىٍّ من هذه الأسئلة جواباً محدداً ، ولا غير محدد ، يوضح متى تنصّر ورقة بن نوفل ، ولا كيف تنصر ، كما لم يُذكر في أى من هذه الروايات ، ولا في غيرها من الأخبار الصحيحة الإسناد ، ولا غير الصحيحة مَنْ دعاه إلى الدخول في النصرانية ، بل لم أبداً أن أحداً من الناس دعاه إلى الدخول في النصرانية ولا رَغّبَهُ فيها ، وحبّبَهُ فيها ، ولا كيف تعلمها ، ولا ذكرت أسماء أشخاصٍ ، لا معروفين ولا غير معروفين تلقّاها عنهم ، ولا شيوخ ، لا من الرهبان ، ولا ممن هم دونهم درسها عليهم ، أو سمع أخبارها منهم .
كما لم يُذكر في هذه الروايات ، ولا في غيرها اسمٌ لبلدٍ تعلم فيه ورقة بن نوفل النصرانية لا مدرسة ، ولا معهد ، ولا كنيسة ، ولا أى مؤسسة من مؤسسات النصارى التي كانوا ينشرون نصرانيتهم من خلالها ” ( ورقة بن نوفل في بطنان الجنة ص 58 و 59 ) . أصل هذه الروايات و حقيقتها دون تأويل : يُجيب عنه الدكتور ” عويد المطرفى ” إذ يقول : ” قول الرواية ” تنصر في الجاهلية ” لا ينهض دليلاً قاطعاً ، ولا شبه قاطع على تديّنه بالنصرانية ، لا من قريب ولا من بعيد لأمور منها : 1- أن الإخبار عنه بالتنصر إخبار باعتناق دين النصرانية ، وهي انتماء دينى ، وأمر عقدى . وكلاهما فعل قبلى لا يتأكد إلا بأمور منها : أولا : التصريح الحقيقى في حال اليسر ، والعسر ممن نُسب إليه ذلك الإنتماء ، والاعتقاد بأنه قد دان بذلك الدين ، أو المذهب الذي دان بدين من الأديان التي كان الناس يدينون بها في حياته ، وبعد مماته حتى وقتنا الحاضر . والمعلوم المعروف من ورقة بن نوفل أنه لم يُصرح في يوم من الأيام أنه يدين بالنصرانية ، بل على العكس من ذلك كان يصرح بأنه على الحنيفية فإن ديدنه ، وهجيراه في حياة صديقه ونديمه زيد بن عمرو بن نفيل ، وبعد مماته أن يقول : ” إلهى إله زيد ، ودينى دين زيد ” .
وهذا هو ما رواه الإمام البزار بإسناده من طريق الشعبى عن جابر رضى الله عنه في حديث ذكر فيه قصة سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل . وفيه أن زيد بن عمرو بن نفيل كان يستقبل القبلة ، ويقول : ” دينى دين إبراهيم ، وإلهى إله إبراهيم ” ، و ” ورقة بن نوفل كان يستقبل القبلة ويقول : إلهى إله زيد ، ودينى دين زيد ” – كشف الأستار 3/281 “ ويكمل الدكتور المطرفى : ” بل إن مما يدل على بعد ورقة بن نوفل عن النصرانية أنه حين ذكر لخديجة بنت خويلد – رضى الله عنها – تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفرحه بمبعثه ، واستبشاره به أيما استبشار فإنه لم يذكر عيسى بن مريم في الروايات الصحيحة في البخارى ومسلم – رحمهما الله – الذي جاء بالنصرانية فلم يقل هذا هو الناموس الذي نزّل الله على عيسى عليه السلام مثلاً بل قال : ” هذا هو الناموس الذى نزّل الله على موسى ” ( صحيح البخارى 1/4 ) و ( صحيح مسلم 2/ 142 ) مما يدل على أن استحضار قلبه لذكر موسى أسرع من استحضاره لذكر عيسى عليهما الصلاة والسلام … ولم يُعلم لورقة بن نوفل كلمة واحدة في الدفاع عن النصرانية ، ولا عن رجالها ، ولا في الدعوة إليها ، ولا في ترغيب أحد فيها ، وهذا يدل على أن لا علاقة بينه ، وبينها ولا صلة له بها ، ولا برجالها ، ولا بالبلدان التي تنتشر فيها هذه الديانة الغريبة عنه وعن أسرته وعشيرته ، وبلده ، وقومه القرشيين .. ولا رأوا له مكاناً يرتاده يُشبه معابد النصارى ، لا في بيته الذي كان يقع تحت أنظار عموم الناس من أهل مكة ، وغيرهم غربى الكعبة بينه وبينها تسعة أذرع ، تفئ الكعبة على دارهم بالضحى ، وتفئ دارهم على الكعبة بالعشى ، حتى إن الدوحة التي كانت في دارهم ربما تعلّق بعض أفنانها بأثواب بعض الطائفيين بالكعبة لقرب دارهم منها ( أخبار مكة للفاكهى 3/307 ) ، ولا رأوا له شيئاً من ذلك – أيضا- في بلده مكة ، لا في جبالها ، ولا في كهوفها مع سعتها ، وكبر مساحتها ، وتوفر كل ذلك فيها لو أراد عمل شئ منه ” أ.ه ( ص 66 )
وعن رواية ” استحكم في النصرانية ” يقول الدكتور المطرفى : ” إنها مردودة من وجهين : الوجه الأول : أنها لم تثبت بإسناد صحيح ، بل لم يذكر ابن اسحاق في السيرة لها أصلا . الوجه الثانى من وجهى ردها على فرض أن ورقة بن نوفل استحكم في النصرانية ، فليس معنى استحكامه فيها أنه قد دان بها ، بل معناه أنه علمها حق العلم بها ، وعرف حقائقها ، وأسرارها وتاريخها بأخذ كُتبها من أهلها . وإن لم يفعل ذلك لقيل – جدلاً – إنه لم يطلع حق الاطلاع على النصرانية ، بل إنه هو قد تحدثه نفسه بأن النصرانية المعاصرة له قد تكون على شئ من التوحيد الذي يبحث عنه هو ، وزملاؤه الآخرون ، ولكنه لرجاحة عقله ، وقوة فهمه وحسن تبصّره في أمره ، وتحققه في بحثه عن الحنيفية ملة أبيه إبراهيم حصل على كتب أهل الكتاب من أهلها ، فرأى – بلا ريب – أن النصرانية ليست على شئ من دين إبراهيم دين التوحيد الخالص لله تعالى .. فهل يعقل أن يُقال : إن ورقة بن نوفل بعد اطلاعه على كتب النصرانية تلك وتحققه مما فيها من تناقضات ، وتحريفات ووثنية الثالوث قد رضيها دينا لنفسه ، وهو الذي رفض الوثنية من أصلها بما فيها من فكرة تعدد الآلهة