لما كان الفرد لا يكتفي بذاته، كان يستمد من المجتمع كل ما هو ضروري له كما كان يعمل لفائدة المجتمع . وهكذا ينشأ لديه شعور قوي جدا بحالة التبعية التي هو عليها : فيتعود على تقدير نفسه حق قدرها، أي يتعود على أن لا ينظر إلى نفسه إلا باعتباره جزءا من كل أو عضوا في جسم .
ومثل هذه المشاعر من شأنها أن لا تلهم هذه التضحيات اليومية فحسب ،وهي التضحيات التي تضمن للحياة الاجتماعية اليومية نموها المنتظم ، بل هي تلهم كذلك في بعض المناسبات أعمال التنازل الكامل ونكران الذات الآلي .
ويتعلم المجتمع من جهته أن ينظر إلى الأعضاء الذين يكونونه لا باعتبارهم أشياء،له عليهم حقوق ، بل باعتبارهم متعاونين ليس له أن يستغني عنهم ، وله بازائهم واجبات .
فمن الخطإ إذن أن نقابل المجتمع الذي ينشأ عن وحدة العقائد بالمجتمع الذي يقوم على التعاون، فنضفي على الأول وحده طابعا خلقيا ، ولا نرى في الثاني إلا تجمعا اقتصاديا. والحق أن التعاون نفسه له أخلاقيته الكامنة فيه فليس إلا أن نعتبر أن هذه الأخلاقية - في مجتمعاتنا الحالية- لم تلق بعد كامل التطور الذي هي في حاجة إليه منذ الآن.