الوحدة الإسلامية
لم ترفل الأمة الإسلامية بالسعادة الحقيقية ، والرفاهية ، والأمن ، ولم تشعر بالعزة والسيادة الكاملتين
في الأرض إلا في ظل الحكم الإسلامي ولم ترتح هذه الأمة من حكام بمثل ما ارتاحت حين تولى أمرها
حكام مسلمون آمنوا بالله واليوم الآخر وحافظوا على كتاب الله وسنة رسوله ووقفوا عند حدودها
والتزموا بأحكامها
إن عظمة الإسلام لا تتمثل في كونه جاء بفكرة بناء الأمة والدولة فحسب بل لكونه أيضا جاء بطريقة
الحماية لهما أي جاء بالأحكام التي تفرض على المسلمين صيانة أمتهم ودولتهم وسواء أكانت الأحكام
المتعلقة بالبناء أو الحماية حيث خرجت كلتاهما من مشكاة واحدة
إذا كان لكل أمة من الأمم قضايا مصيرية تحددها تلك الأمم حسب مفهومها عن الحياة وقد يختلف مفهوم
أمة أخرى في تحديد قضاياها المصيرية ,لكن الإجراء أو العلاج الذي يتخذ تجاه القضايا لا يختلف
فهو دائما الوقوف أمام الأعداء بحزم وعزم حتى الموت أو الحياة.
لقد جعل الإسلام الوحدة من القضايا المصيرية وفرض على رئيس الدولة أن يحميها لا بالتوجيه فحسب
بل بالقوة أيضا. أما الوحدة فقد أمر الله بها بصريح القرآن وصحيح السنة ,من صريح القرآن :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ
لاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ
عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )) ( 102 – 103 ) آل عمران
وقد ذكر ابن كثير رحمه الله نقلا عن محمد بن اسحق بن يسار وغيره أن هذه الآية نزلت في شان
الأوس والخزرج وذلك أن رجلا من اليهود شاس بن قيس مر بملأ من الأوس والخزرج فساءه ما هم عليه
من الاتفاق والألفة فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث
وتلك الحروب ففعل فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض وثاروا
ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم وتواعدوا إلى الحرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم
فجعل يسكنهم ويقول " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم " وتلا عليهم هذه الآية فندموا على ما
كان منهم واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم هذا ما ورد في القران على سبيل المثال
لا الحصر.
أما السنة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى
لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه
الله أمركم ويسخط لكم ثلاثا قيل وقال وكثره السؤال وإضاعة المال ". رواه مسلم
لقد بدأ الرسول الكريم أول ما بدا به حين هاجر إلى المدينة ببناء الدولة وبناء المجتمع على أساس
العقيدة الإسلامية فآخى بين المسلمين فكان هو وعلي بن أبى طالب أخوين وكان أبو بكر وخارجة
بن زيد أخوين وآخى بين المهاجرين والأنصار فكان عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك الخزرجي أخوين
وكان عبد الله وأبو أيوب الأنصاري أخوين وكان لهذه الأخوة أثر في الناحية المادية فقد أظهر
الأنصار من الكرم ما يزيد هذه الأخوة قوة وتأكيدا وشاركوهم في حاجات الدنيا زراعة وتجارة وبهذا
أقام الرسول صلى الله عليه وسلم المجتمع في المدينة على أساس ثابت .وقف في وجه الكفر وصمد
لدسائس اليهود والمنافقين وظل وحدة واحدة, فاطمأن الرسول إلى هذه الوحدة وإلى هذا المجتمع
وبالرغم من وجود المشركين واليهود في المدينة وبالرغم من التباين بين مجتمعهم والمجتمع الإسلامي
إذ إن الرسول الكريم حدد موقف المسلمين منهم وما يجب أن يكون عليه وضعهم في علاقاتهم مع
المسلمين فقد كتب الرسول كتابا كان هذا الكتاب منهاجا حددت فيه علاقات قبائل اليهود مع المسلمين
بعد أن حددت علاقات المسلمين ببعضهم وبمن تبعهم فقال صلى الله عليه وسلم : " بسم الله الرحمن
الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين المسلمين من قريش ويثرب ومن
تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس " تفسير ابن كثير نجد الإسلام قد أمر
المسلمين بالوحدة وذلك من خلال وحدة الرئاسة سواء للجماعة المسافرة وأقلها ثلاثة أو جماعة
المسلمين عامة فقد روى أبو داود بسنده أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " إذا خرج ثلاثة في
سفر فليؤمروا أحدهم عليهم " فكلمة أحدهم تدل على واحد ليس غير أي أنه لا يجوز أن يؤمروا
أكثر من واحد ولا بوجه من الوجوه أيضا .
إن عمل الرسول الكريم دليل أن الرئاسة أو الإمارة فردية فإنه عليه الصلاة والسلام في جميع
الحوادث كان يؤمر أميرا واحدا لا غير فوحدة الجماعة سواء كانت جماعة سفر أو أي جماعة تقوم
بعمل مشترك لا تتحقق إلا بوحدة إمارتها أو رئاستها وكذلك وحدة الأمة الإسلامية لا تتحقق إلا من
خلال وحدة الرئاسة أو الإمارة أو الخلافة والدليل على ذلك من الأحاديث الصحيحة قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي
بعدى وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن
الله سائلهم عما استرعاهم " ومن حديث طويل قال "ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه
فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " وقال إذا بويع لخليفتين فاقتلوا
الآخر منهما " مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري أحاديث 1198 و 1199 و 1200
بناء على ذلك كان إجماع الصحابة واضحا جليا على وحدة الخلافة أو الإمارة فعندما توفي الرسول
الكريم بادر الأنصار للاجتماع في سقيفة بني ساعدة ثم حضر من المهاجرين أبو بكر وعمر وأبو
عبيدة رضي الله عنهم جميعا لقد اختلفوا على وحدة الخلافة وبقي الرسول الكريم عليه الصلاة
والسلام ثلاثة أيام دون دفن وكان على المسلمين إنفاذ جيش أسامة وارتد من المسلمين من ارتد
بعد موت الرسول ورفض المشركين دفع الجزية كل هذه الأمور لم تحل إلا حين نصب خليفة واحد
للمسلمين فكان دفن الرسول وكان إنفاذ جيش أسامة لقتال المرتدين .
من هنا نرى أن الخلافة هي الحل لوحدة الأمة وعلى المسلمين أن يعملوا لها لأنها فرض عليهم إذ
إن فيها قوتهم وعزتهم. فالوحدة من القضايا المصيرية وكذلك حمايتها لقول الرسول الكريم " أنه
سيكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من
كان " ((مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري رقم الحديث ( 1234))) هذا هو الحكم الشرعي في
الوحدة وحمايتها .
اننا لنرى ما وصل إليه حاضرنا الحالي وحال المسلمين اليوم
.ماذا نرى ؟ نرى بلاد المسلمين مزقت وأعراضهم انتهكت ووحدتهم تفرقت ,نرى قوميات وعصبيات
وفرقات متعددة ومتشتتة . أصبح المسلمون مشردين في بلادهم ,أصبحوا أذلة بعد أن كانوا أعزة ,
أصبحوا ضعفاء بعد أن كانوا أقوياء ,كانت ترتعد القلوب من ذكر المسلمين , كانوا أناسا لو
أرادوا خلع الجبال لخلعوها . أصبحت إهانة المسلمين وإهانة الرسول الكريم من أبسط ما يكون
لماذا ؟ لماذا ؟
لأن الإسلام ضيع بالقعود عن حمل الدعوة إليه والتضحية في سبيله وبالإعراض عن تطبيقه والحكم
بغيره ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) (آل عمران : 85)
صار حالنا اليوم في جميع دنيا الإسلام من ذهاب عز ومجد وفقدان كرامة وسيادة حتى طمع فينا
أرذال القوم.