يعشق المصريون الأساطير و طالما ألصقوا هذه الصفة بأكثر من شخصية فى حياتهم المعاصرة، و للأسف فإن معظم هذه الأساطير كانت فى الأغلب من ورق، تم تلطيخ أسطورتها بالكثير من المساحيق لتبدو و كأنها حتى أشباه أساطير ، و لكن يبقى عبد الحليم حافظ هو التعريف الرسمى لكملة " أسطورة "، فلم يكن هذا المطرب النحيل بحاجة إلى أية رتوش أو مساحيق، فهذا الشاب اليتيم صعد من أسفل السلم ليصبح مطرب الجيل، لم يتزوج من قبل و هو الذى علم فتيات العالم العربي كلهن الحب، و فى الفترة التى كان كبده ينزف فيها أكثر من ثلاث مرات فى اليوم كان يقدم للموسيقى العربية أفضل لحظاتها فى الخمسين عاماً الماضية، إنه ربما الشخصية العربية الوحيدة الى مازالت حياتها حافلة بالأسرار و الصفحات المجهولة على الرغم من رحيلها قبل 26 عاماً كاملة.
يتحدث الكثيرون عن عبد الحليم حافظ على إنه نبتة ظهرت فى أرض مصر و إختفت دون سبب ، و لكن للأسف كان عبد الحليم حافظ نموذجاً لجيل كامل ظهر فى مرحلة بالغة الأهمية فى حياة المصريين بمنتصف القرن الماضى. فقد ولد عبد الحليم حافظ يتيماً فى 9 فبراير من عام 1929 بقرية صغيرة تدعى الحلوات بمحافظة الشرقية ، و كان شأنه كشأن المئات من أقرانه الذين تشكل الموسيقى و الغناء مساحة لا بأس بها من حياتهم اليومية، فقد كانت الموسيقى نافذة عبد الحليم على عوالم أخرى لم يحلم بها طفل فى العاشرة من عمره قط، و هو الذى كان يتسمر أمام دكان بقال القرية أملاً فى أن يستمع إلى أغنية من الردايو لعبد الوهاب أو ام كلثوم. و لا يمكن أيضاً تجاهل دور الموالد العديدة التى حضرها بقريته أو بمحافظات أخرى لتشكل جانباً مهماً من ثقافته الموسيقية، مثلما كان الحال مع معظم مطربى مصر الكبار، الذين تعرفوا على ملامح الحس الشعبى المصرى، و " المزاج" الموسيقى الخاص بناس هذا البلد... فقط من خلال "مدرسة المولد".