الحثّ على التراحم والتعاطف والتزاور:
تنبثق أهمية هذا السلوك نتيجة تركيز وتأكيد أهل البيت(عليهم السلام) على ضرورة التحلّي به، ولذا نجد حشداً واسعاً من رواياتهم(عليهم السلام) يحثّ شيعتهم ومواليهم على الالتزام به وجعله منهجاً في حركتهم وسلوكهم.
فعن جابر الجعفي قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي(عليه السلام)ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا، فودّعناه وقلنا له: أوصنا يابن رسول الله فقال(عليه السلام): «ليعن قويّكم ضعيفكم، وليعطف غنيكم على فقيركم ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا...»([1]).
وعن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «يحق على المسلمين الإجتهاد في التواصل والتعاون والتعاطف والمواساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عزّوجل رحماء بينهم متراحمين، مغتمين لما غاب عنهم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)»([2]).
وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «رحم الله امرءاً ألّف بين وليّين لنا، يامعشر المؤمنين، تألّفوا وتعاطفوا»([3]).
ولهذه الوظيفة تركيز في حفظ وحدة المجتمع، خصوصاً في عصر الغيبة، ولعلّ من أهمها:
1 ـ إنّ تعاون وتراحم أبناء المجتمع فيما بينهم يساهم في تأمين حاجاتهم وتقوية شوكتهم; لأنّ ارتباط الطبقات بعضها ببعض في مصالحها وفي نموّها وتطوّرها، يؤمِّن الحاجة لبعضها البعض، فالعلاقة بينهم علاقة تكامل وتعاون وليس علاقة صراع وتناحر، قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في كتابه إلى مالك الأشتر: «واعلم أنّ الرَعية طبقات لا يصلحُ بعضها إلاّ ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض»([4]).
2 ـ إنّ هذا السلوك يعتبر العلاج المستطاع لما نشاهده من العلاقات الاجتماعية الممزقة، والحدّ من توسعها وانتشارها.
مضافاً إلى ما لهذه الوظيفة من دور كبير في تهذيب النفوس وتربيتها لاكتساب الملكات الطيبة; ليكون الفرد مؤهْلا لتحمل المسؤولية في اليوم الموعود.
3 ـ إنّ تعاون المؤمن مع المؤمن من الاُمور التي تُدخل السرور فيما بينهم، وهذا بنفسه يُعد إدخالا للسرور على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)، ففي الرواية عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سروراً أنّه عليه أدخله فقط، بل والله علينا، بل والله على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)»([5]). وهذا مما يزيد صلة المؤمن بأهل البيت(عليهم السلام) وولايتهم وتمسكه بهم.
4 ـ إنّ صلة المؤمن مع أخيه وتعاونه معهم يضطلع بأهمية عالية عند أهل البيت(عليهم السلام) ففي الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «مَن لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شيعتنا يكتب له ثواب صلتنا، ومَن لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا»([6]).
5 ـ إنّ التهاون بهذه الوظيفة يعدّ استخفافاً بأهل البيت(عليهم السلام). ففي الرواية عن أبي هارون، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قال(عليه السلام) لنفر عنده، وأنا حاضر: «ما لكم تستخفّون بنا؟»، قال: فقام إليه رجل من خراسان، فقال: معاذ لوجه الله أن نستخفّ بك، أو بشيء من أمرك، فقال(عليه السلام): «بلى، إنّك أحد مَن استخفّ بي!»، فقال: معاذ لوجه الله أن استخفّ بك، فقال(عليه السلام) له: «ويحك! أو لم تسمع فلاناً ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك: احملني قَدَرِ ميل فقد والله أعييت، والله ما رفعت به رأساً، ولقد استخففت به، ومَن استخفّ بمؤمن فبنا استخفّ، وضيّع حرمة الله عزّوجل»([7]).