- المسلم مطالب باستثمار وقته في النافع
- هناك ضوابط تحكم وقت ترفيه المسلم
- الترفيه وسيلة وليس غاية
السباحة مطلوبة بضوابط شرعية
لأنه ترك انطباعًا سيئًا لدى الأفراد المحافظين الذين ينأون بأنفسهم وأهليهم بعيدًا عن الخلاعة والمجون.. فقد كان الترفيه يعني الشاطئ الممتلئ بالأجساد العارية والاختلاط المزري، الذي لا يراعي حرمات، وكان يعني الملاهي؛ حيث العابثون الثملون العاشقون للهوى؛ ولذا كان الخيار المحافظ هو تجنب كل هذا، وتجنب الترفيه نفسه لدرجة أصبح البعد عن الترفيه فريضة.
وظل الأمر هكذا حتى عاد للمجتمع الكثير من ملامحه الإسلامية، فبعد أن كان الشاطئ ملاذًا للعراة أصبح اليوم ملاذًا للدعاة، وأصبحت هناك شواطئ ذات طابع إسلامي، أي أن الإسلام أصبح ضابطًا لصناعة الترفيه في بلادنا، وبعد ذلك هل لنا أن نتساءل: أين الترفيه في حياة المسلم؟! وهل هو واجب أم مستحب؟! أم محرم على إطلاقه؟ كل هذه الاستفهامات أجابَنَا عليها الدكتور محمد شريف أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم:
* هل الترفيه مضيعة للوقت؟
** المسلم مطالَب باستثمار وقته في النافع من الأمور والابتعاد عما فيه تضييع لوقته وعمره؛ حيث يقول- صلى الله عليه وسلم- "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن عمله فيما عمل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟" ولذلك فالترفيه لن يكون مضيعةً للوقت؛ لأن المسلم لا وقتَ لديه ليضيعه.
ولكن المسلم مطالَبٌ بعدة ضوابط تحكم وقت ترفيهه، فلا يمارس الترفيه في أوقات العبادات الواجبة كالصلاة، ولا يفرط في استهلاك الوقت المباح للترفيه، فمثلاً لا يرفِّه عن نفسه عشر ساعات ويعمل ساعتين، فإسلامنا دين الوسطية والاعتدال.. أمتنا أوصاها نبيُّها بإتقان العمل، فالله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، ولكنَّ بُعدَنا عن ديننا جعلَنا نتكلم أكثر مما نعمل، بل جعلنا أمةً عالةً على غيرنا من الأمم، فلننظر إلى شعب اليابان لنعرف ما صرنا إليه عندما ابتعدنا عن ديننا، فهم يتظاهرون ضد الحكومة لأنها قللت ساعات العمل.
* متى يصبح الترفيه استحقاقًا؟
** يستحق الإنسان المسلم الترفيه عندما يقوم بواجباته كاملةً، فلا يتكاسل ولا يُهمل في عمله، أما الإنسان الكسول الذي لا يجتهد في عمله ويعيش في راحة مستمرة فلا يستحق الترفيه؛ لأن حياته كلها ترفيه.
* هل هناك مكان للترفيه في حياة المسلم؟
** إسلامنا دين متوازن يساعد على إيجاد إنسان متوازن لنصل إلى مجتمع متوازن وأمة متوازنة؛ ولذلك فالترفيه جزءٌ من ديننا؛ لأنه دين متكامل ينظم كل شئون المسلم.. ولكن أي ترفيه؟!
فالترفيه عندي ينقسم إلى خمسة أقسام:
1- الترفيه الواجب؛ حيث يفرض الإسلام نوعًا من الترفيه يؤجَر بفعله ويأثَم بتركه، مثل:
(أ) استمرار بعض المسلمين في ممارسة عمل جاد والدأب عليه، ولا يعطي نفسه وقتًا للراحة، وقد يؤدي ذلك إلى الوقوع في محرم، لحديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- الذي يوضح ذلك؛ حيث يقول "إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدْرِ ما يقول فليضطجع".
(ب) مداعبة الأهل وملاطفتهم؛ لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "إن لأهلك عليك حقًّا".
2 - الترفيه المحرم: وهي الممارسات التي وردت النصوص بتحريمها مثل لعب الطاولة والقمار.
3 - الترفيه المندوب: هي الممارسات الترفيهية التي تقوِّي البدن، كممارسة الرياضة عمومًا.
4 – الترفيه المكروه: وهي الممارسات التي تفوت وقتًا فاضلاً مثل الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة، ويوم عرفة وغير ذلك.
5 – الترفيه المباح: وهي الممارسات الخالية من المضرة، وفيها مصلحةٌ للنفس بالراحة والاستجمام كالراحة بعد عمل شاق وغير ذلك.
وسيلة وليس غاية
* ما هي الضوابط الشرعية للترفيه؟
** الأصل في الترفيه أنه مباح ولكنه وسيلة لا غاية، فلا يوجد عندنا ترفيه لمجرد الترفيه، فهو وسيلة، والأصل عند المسلم الجد والترويح عن نفسه استثناءً، والدليل على ذلك حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القائل:"ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب"؛ ولذلك ينبغي على المسلم أن ينتبه إلى عدة أمور في موضوع الترفيه، أهمها ألا يكون الترفيه مخالفًا للشرع، مثل الذهاب إلى الملاهي الليلية وغير ذلك، وثانيها ألا يوقع ضررًا على نفسه أو على غيره.
الرسول قدوتنا
* كيف كان النبي يروِّح عن نفسه؟
** رسولنا- صلى الله عيله وسلم- كان تجسيدًا عمليًّا للإسلام، وروي عن عائشة- رضي الله عنها- أنها كانت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في سفر قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم، سابقته فسبقني فقال: "هذه بتلك"، وتراه يقول لأبي بكر عندما اعترض على لعب بعض المسلمين"دعهم يا أبا بكر لتعلم يهود أن في ديننا فسحة وأني أرسلت بحنيفية سمحة"، وحديث حنظلة الشهير الذي دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال نافق حنظلة يا رسول الله، فقال له الرسول: "يا حنظلة ساعة وساعة (ثلاث مرات)".
الترفيه مطلب للنفس الإنسانية
وقد نبهت السيدة عائشة- رضي الله عنها- الصحابةَ الكرام إلى حاجة الصغار إلى اللهو واللعب حين قالت: والله لقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو"، ولم يكتف الرسول- صلى الله عليه وسلم- بذلك بل كان يمازح بعض الصحابة ليُدخل السرور على قلوبهم، ولكنه مزاحٌ صادقٌ لا كذبَ فيه.
* وجهت السيدة عائشة الصحابة إلى حاجة الصغار إلى الترفيه.. هل هذا يعني أنه لم يكن واردًا في حياة الصحابة؟
** لم تقصد السيدة عاشة ذلك، فرغم أن الصحابة- رضوان الله عليهم- كانوا في بداية الإسلام منشغلين بالعمل على نشر الإسلام فقد جاء رجل إلى رسول الله فقال له: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة، فقال- صلى الله عليه وسلم-:"إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله".. إلا أن الترفيه لم يغِب عن حياتهم، فهذا ابن عباس كان إذا ملَّ من الكلام يقول هاتوا ديوان الشعراء.
* معنى ذلك أن الترفيه مطلب النفس الإنسانية عمومًا..
** نعم، الترفيه مطلب إنساني، فالإنسان الذي يمارس عملاً ثم يرفِّه عن نفسه فترةً من الزمن يعود إلى عمله أشد نشاطًا وأكثر إقبالاً عليه؛ ولذلك فإن الترفيه عاملٌ من عوامل البناء للشخصية الإسلامية، والترفيه يستطيع أن يوجد إنسانًا متوازنًا نفسيًّا، فالإنسان الذي يتعرض لضغط العمل الجاد يشعر بالملل والسأم فيقوم الترفيه بدور فعال في تحقيق التكييف النفسي السليم للإنسان؛ حيث يتخلص من الكآبة والإحباط والملل، ويصبح إنسانًا متوازنًا عباديًّا وحياتيًّا، فلا يعيش الإنسان منعزلاً عن مجتمعه في سلبية وانطواء، بل يشارك الأصدقاء والأهل في كل شئون الحياة ويتواصل معهم في لقاءات ورحلات وغيرها.
وسيلة تربوية
التفكر في خلق الله عبادة
* هل للترفيه دور كبير في التربية الإيمانية للمسلم؟
** الترفيه نوعٌ من أنواع التربية الإيمانية للفرد بل والتربية العقلية للفرد، وسبحانه وتعالى القائل:﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (آل عمران: 191)، وأنا شخصيًّا عندما أذهب إلى قريتي- وهي مُطلة على النيل- تكون لي رحلة تأمُّل في جميل خلق الله في الكون.
* من الطرق الحديثة في التعليم "التعليم بالترفيه".. ما رأي الاسلام في ذلك؟
** الإسلام هو أول من ابتكر هذه الطريقة، فالقرآن يقول: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ (يوسف: 109) هذا أسلوب القرآن، يأمرنا بالتعليم من تجارب الآخرين، فعندما نرى آثار السابقين نعلم ما فعلوا من خير فنفعله، وما فعلوا من شر فنجتنبه، وسيدنا عمر أوصى الآباء أن يعلِّموا أولادَهم ركوب الخيل وروايةَ الشعر، وهذه رياضةٌ ترفيهيةٌ وتعليمٌ في نفس الوقت.