قال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتاب (هواتف الجان): حدثنا علي بن حرب، حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران - من آل جرير بن عبد الله البجلي - حدثني مخزوم بن هاني المخزومي، عن أبيه - وأتت عليه خمسون ومائة سنة
قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام (ج/ص: 2/ 328)
وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك، فتصبر عليه تشجعاً، ثم رأى أنه لا يدخر ذلك عن مرازبته، فجمعهم ولبس تاجه وجلس على سريره، ثم بعث إليهم، فلما اجتمعوا عنده قال: أتدرون فيم بعثت إليكم؟
قالوا: لا، إلا أن يخبرنا الملك ذلك
فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب خمود النيران، فازداد غماً إلى غمه، ثم أخبرهم بما رأى وما هاله، فقال الموبذان - وأنا أصلح الله الملك - قد رأيت في هذه الليلة رؤيا، ثم قصَّ عليه رؤياه في الإبل فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟
قال: حدث يكون في ناحية العرب - وكان أعلمهم من أنفسهم - فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر أما بعد: فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني
فلما ورد عليه قال له: ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟
فقال: لتخبرني، أو ليسألني الملك عما أحب، فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلم. فأخبره بالذي وجه به إليه فيه
قال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام، يقال له: سطيح
قال فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره
فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح، وقد أشفى على الضريح، فسلم عليه وكلمه فلم يرد إليه سطيح جواباً، فأنشأ يقول
أم فاد فاز لم به شأو العنن أصم أم يسمع غطريف اليمن
أتاك شيخ الحي من آل سنن يا فاصل الخطة أعيت من ومن
أزرق نهم الناب صرار الأذن وأمه من آل ذئب بن حجن
رسول قيل العجم يسري للوسن أبيض فضفاض الرداء والبدن
لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن يجوب بي الأرض علنداة شزن
حتى أتى عاري الجآجي والقطن ترفعني وجناً وتهوي بي وجن
كأنما حثحث من حضني ثكن تلفه في الريح بوغاء الدمن
قال: فلما سمع سطيح شعره، رفع رأسه يقول: عبد المسيح على جمل مشيح، أتى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلاً صعاباً، تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات، وكلما هو آت آت، ثم قضى سطيح مكانه، فنهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول: (ج/ص: 2/ 329)
لا يفزعنك تفريق وتغيير شمر فإنك ماضي العزم شمير
فإن ذا الدهر أطوار دهارير إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم
يخاف صولهم الأسد المهاصير فربما ربما أضحوا بمنزلة
والهرمزان وشابور وسابور منهم أخو الصرح بهرام وإخوته
أن قد أقل فمحقور ومهجور والناس أولاد علات فمن علموا
بدت تلهيهم فيه المزامير ورب قوم لهم صحبان ذي أذن
فذاك بالغيب محفوظ ومنصور وهم بنو الأم إما إن رأوا نشباً
فالخير متبع والشر محذور والخير والشر مقرونان في قرن