لفكر الفني في قيادة دفة الفرق الكبار أمر غاية في الخطورة والحساسية، حيث أن المهمة تتطلب عقلاً واعياً يدرك جميع الأبعاد الخاصة بالمهمة، بالإضافة إلى لاعبين يتفهموا طبيعة مديرهم الفني، ويتسموا بالتواضع مهما بلغت إمكانياتهم الفنية، وأن يعلوا مصلحة الفريق العامة واستقراره على حساب المصلحة الخاصة التي أصبح العديد في عالم كرة القدم يهدف إلى تحقيقها.
مما لاشك فيه أن المدير الفني للنادي الأهلي مانويل جوزيه له شخصيته الفريدة التي يتمتع بها في التعامل مع اللاعبين، وخاصة اللاعبين الكبار أصحاب التاريخ الكبير والسجل المشرف مع النادي الأهلي من أمثال محمد أبو تريكة ومحمد بركات.
"الشد والجذب".. سمتان أساسيتان من النادر أن يجمع المدير الفني بينهما، وحين يقدر على المزج بين هاتين الصفتين، يكون النتاج مدرب مخضرم يعرف كيف يتعامل مع اللاعبين، الصغار منهم والكبار، يعنف بشدة من يخرج عن ويالنص، شجع المجتهد من اللاعبين، ويحفز الكبار على استعادة مستواهم المعهود.
استنكرت العديد من الوسائل الإعلامية والمحللين الرياضيين قرار مانويل جوزيه بخروج محمد أبو تريكة في مباراة المقاصة الأخيرة رغم أنه قدم مباراة جيدة من الناحية الفنية، وشعر كل من شاهد المباراة أن اللاعب سوف يعود مجدداً إلى مهد تألقه اللافت، ولكن الحكمة البرتغالية "ذو النظرة المستقبلية الثاقبة" بضرورة استبدال اللاعب في هذا التوقيت لأمرين الأول يتمثل لمصلحة الفريق العامة في سحب جوزيه تريكة ونزول دم جديد إلى أرض الملعب من جهة، ولتحفيز اللاعب على ألا يتكرر الموقف ويخرج من الملعب، في إشارة لجوزيه بأنه يريد تريكة أن يعود إلى مستواه المعهود مرة أخرى.
وبالنظر إلى محمد بركات الذي خرج في نفس توقيت استبدال تريكة من الملعب، جاءت الإشارة قوية لمن يريد أن يعي الحقيقة، وهي أن محمد بركات استطاع أن يأتي بركلة جزاء للفريق - "بغض النظر عن الجدل التحكيمي المثار حولها" – وأن ساحر القلعة الحمراء هو الذي أحرز هدف المباراة الوحيد، ومع ذلك أراد جوزيه أن يوجه رسالة صارمة للجالسين على دكة البدلاء مفاداها أن من يستطيع الاستمرار في الملعب هو الذي سيظل داخل المستطيل الأخضر حتى إطلاق صافرة النهاية.
من الصعب أن يُعلي المدير الفني للفريق الصالح العام للفريق ككل ويمضي بخطى متوازنة في طريق لا يهدم نفسية اللاعب، قمة الصعوبة أيضاً أن يعمل المدير الفني بنظرية "التورية"، والتي تمثلت في وجود دلالات كثيرة بعيدة وقريبة، للكبار والشباب، في تبديل لاعب أو اثنين رآه الجميع عادياً، ورصده البعض الآخر بزوايا مغايره للمقصد الأساسي لجوزيه.
ومن ناحية أخرى إذا نظرنا إلى مثال آخر فى الوسط الكروى سنجد التوأم حسام وابراهيم حسن يتعاملون بمبدأ آخر مع لاعبيهم وخاصة اللاعب محمود عبد الرازق "شيكابالا" وهو لاعب لا يختلف اثنين على موهبته ومهارته الفريدة من نوعها.
إلا أن سياسة التدليل و"الطبطبة" التى يتبعها التوأم وخاصة الكابتن إبراهيم حسن مدير الكرة للفريق الأبيض مع اللاعب، وتأكيداته المستمرة على أن هذا اللاعب تحديداً لابد أن يعامل معاملة خاصة جداً، جعلت الجميع يشعر بأنه أصبح الفتى المدلل الذى لا يستطيع الزمالك الاستمرار بدونه.
ونظراً لأن ابراهيم حسن يقوم بالدفاع عن شيكابالا –حتى و إن كان مخطئاً- ، كما حدث فى أعقاب مباراة القمة الأخيرة، عندما رفع اللاعب الحذاء فى وجه جماهير الأهلى العريقة، ليخرج علينا مدير الكرة بالزمالك ليدافع عنه متحدياً الجميع بقوله "محدش يقدر يقرب من شيكابالا".
وكانت آخر تلك الحالات عندما رفض اللاعب الانضمام إلى معسكر المنتخب الوطنى كما أعلن إعتزاله الدولى، ليقوم بعدها حسن بالدفاع عنه مرة أخرى مؤكداً على أن اللاعب يشعر بالظلم والمعاملة السيئة من جانب الجهاز الفنى للفراعنة، ويؤكد أن لاعبه المدلل لابد أن يعامل معاملة خاصة!
ومن الطبيعى أن كل ما سبق ذكره قد جعل اللاعب يشعر بأهميته الفائقة التى تفوق مصلحة النادى نفسه، ليبدأ فى إظهار الغرور والتعالى على زملاءه، وظهر ذلك بقوة بعد توجه اللاعب إلى غرفة خلع ملابس اللاعبين وتعنيفهم بعد تعادل الفريق أمام الانتاج الحربى والتى غاب عنها شيكابالا بسبب الإيقاف.
ومن المؤكد أن ابراهيم حسن لم يضع فى حساباته أن كل هذا التدليل للاعبه فى "الخطأ قبل الصح" قد ينقلب عليه وعلى ناديه فى يومٍ من الأيام، لتأتى القشة التى "قسمت ظهر البعير" والتى بدأت بالمشادة الكلامية بينه وبين التوأم والتى أخرجوه على أثرها من غرفة خلع الملابس فى مشهد لم نعهده من قبل، وانتهت بتغيبه عن تدريبات الفريق منذ هذا الموقف.
الغريب أن بعد كل ذلك لم يشعر بعد مدير الكرة بالزمالك بمدى خطأه وأنه المسئول الأول فيما وصل إليه اللاعب من تمرد واضح، حيث ترددت أنباء أنه اتجه إلى منزل اللاعب –الذى أغلق هاتفه المحمول- من أجل التعرف على أسباب غيابه ومعرفة موقفه من سفره مع الفريق إلى كينيا من عدمه!
قد يرى البعض أن المقارنة بين محمد أبوتريكة وشيكابالا ظالمة حيث أننا نقارن بين أكثر لاعبى مصر التزاماً وبين لاعب يهوى الأزمات والمشكلات، ليصبح في النهاية ضحية تعامل خاطيء من قبل الإدارة الفنية للفريق الأبيض، وأيضاً بين رجل متزن فى تعامله مع لاعبيه ومدير كرة يتحدث أكثر مما يفعل والدليل على ذلك عدم تمكنه من السيطرة على لاعبيه، إلا أن المقارنة هنا توضح الفرق بين نادى ينظر إلى المستقبل ويصنع تاريخ لنجومه، ونادى ينظر تحت قدميه ويكتب نهاية نجوم كان من الممكن أن تصبح الأفضل على الإطلاق