في الحي التركي (المنشية والأنفوشي) وعائلة قنيد
أثار الدولة العثمانية مازالت في الأسكندرية
٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨بقلم راندا رأفت
في إطار التعاون بين وزارة الثقافة ومركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في استانبول، أقام المجلس الأعلى للثقافة مؤتمرا تحت عنوان "مصر في العصر العثماني".
شارك في المؤتمر الذي استمر خمسة أيام أكثر من 70 باحثاً من 12 دولة هي تركيا ومصر وتونس وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبلغاريا وهولندا والجزائر والمغرب وسوريا وجورجيا.
تشير عدد من الأبحاث التي قدمت خلال المؤتمر إلى أهمية دور ميناء الأسكندرية في بناء الدولة العثمانية في بداية عهدها في المنطقة.
فعندما دخل العثمانيون مصر 1517 سيطروا على موانيء البحر الأبيض المتوسط (ميناء الأسكندرية) الذي يعد أهم ميناء استراتيجي في مصر، لما له من أهمية كبرى في التبادل التجاري مع الدول الاوربية، ومن ثم شيدت الدولة العثمانية في الأسكندرية واحدا من أهم الموانيء البحرية في الشرق والتي شكلت أساسا مركزيا للتبادل التجاري بين موانيء مصر واسطنبول، ومصر وأوروبا.
وقامت الدولة العثمانية بعقد معاهدات تجارية مع الغرب منذ القرن السادس عشر، وقد نشرت هذه المعاهدات ودرست بعناية، بيد أن تأثير هذه المعاهدات على وضع المبادلات التجارية فى المدن التجارية بالدولة العثمانية لم تدرس بعد ومن بينها ما يتعلق بمدينة الإسكندرية التى كانت واحدة من المدن الأكثر انفتاحًا على عالم البحر المتوسط، والذى انعكس بوضوح فى ارتفاع درجة كثافة حضور الأجانب بالمدينة.
كانت نصوص المعاهدات تعطى امتيازات خاصة لجاليات دون أخرى، وكانت المشكلة أن الواقع فرض نفسه، فلم تمض المبادلات التجارية وفقًا لنصوص المعاهدات، فالمشكلات الخاصة بالرسوم الجمركية ونوعيات السلع المحظورة كالغلال والبن وغيرها، ومشكلات التهريب والأوضاع الأمنية للأجانب داخل المدينة… إلخ، ظلت حلولها وفقًا للظروف المحلية.
يمكن القول إن الإسكندرية شهدت في بدايات العصر المملوكي فترة من الإزدهار نتيجة ازدهار الحركة التجارية فيها، غير أن هذا الازدهار أخذ في التلاشي رويدا رويدا مع إكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في نهايات القرن الخامس عشر الميلادي، وقد أدي اضمحلال الإسكندرية إلي ضعف الإمبراطورية المملوكية بصف عامة نتيجة الضعف الاقتصادي، ومع دخول مصر في حوزة العثمانيين، وتحولها من قاعدة لإمبراطورية إلي مجرد ولاية تابعة، دخلت الإسكندرية مرحلة من الاضمحلال، أثرت عليها فانكمشت مساحتها، وقل دورها، ولم يتبق منها سوي رقعة صغيرة من الأرض حول منطقة الميناء الشرقي عرفت بـ"الحي التركي" (منطقة المنشية والانفوشي الحالية)، كانت بمثابة مدينة الإسكندرية العثمانية.
وقد زخرت تلك المنطقة بالعديد من المنشآت الأثرية، خاصة المساجد، التي نذكر منها: مسجد عبدالباقي الجوربجي، ومسجد إبراهيم تربانة، ومسجد طاهر بك، ومسجد دسوقي الكلزة، ومسجد الشيخ إبراهيم… الخ.
وفي منتصف القرن العشرين، عثرت فرق الآثار علي مجموعة من شواهد القبور الإسلامية عثر عليها في الجبانة الواقعة بالقرب من مسجد أبو العباس المرسي قبالة منطقة الميناء الشرقي للإسكندرية، ويعود معظم تلك الشواهد إلي العصر العثماني.
وقد تميزت تلك الشواهد بتنوع كتاباتها ما بين اللغة العربية والتركية، كما تميزت بتنوع زخارفها ونقوشها، وتنوع الخطوط المستخدمة عليها، والعبارات المستخدمة عليها.
وظهر في ظل الدولة العثمانية وظيفة جديدة أتخدها البعض ويطلق عليها "وكلاء الدعاوي".
" وكلاء الدعاوى" هؤلاء كانوا أداة فاعلة فى عرض القضايا والدعاوى المختلفة، كما كانت لخبرتهم الطويلة واحترافهم لهذه المهنة ما جعلهم محل اهتمام المتقاضين الذين استعانوا بهم فى حفظ حقوقهم وحماية مصالحهم.إن إقبال الأهالى عليهم وتمسكهم بهم وبذويهم ممن حلوا محل آبائهم من بعدهم، إنما يعد بمثابة قرينة على نجاحهم فى إقناع المجتمع السكندرى بأهمية دورهم داخل أروقة المحكمة .وعلى ذلك فقد لعب الوكلاء دورا مهما فى شكل العلاقة التى ربطت اﻷهالى بالمؤسسة القضائية، وفى التعريف بالوسائل التي كانت تكفل لهم حقوقهم، هذا فضلاً عن أنهم يسروا على القضاة بالمحكمة سرعة الفصل فى تلك القضايا التى ترافعوا فيها .
وتقدم محكمة الاسكندرية مادة غزيرة ومتميزة حول ووكلاء الدعاوي ونشاطهم البارز داخل المحكمة .
علي أنه من اللافت للنظر وجود عائلات بعينها احترفت هذه المهنة لعقود طويلة (مثل عائلة سليمان قنيد، وائلة موسي السعران، وإبراهيم البرجي، وعمر العباسي، وخليل المصري …إلخ)؛ حيث انتشر أبناؤها في معظم قضايا الدعاوى وفى كل أنواع العقود الشرعية المسجلة بهذه المحكمة.