لم يكن الأدب بمنأى عن التغيرات التي طالت كافة نواحي الحياة في القرن التاسع عشر، وبما أن الأدب وليد البيئة التي ينموفيها لذا نراه قد تأثر بالعلمية والمادية التي اتصف بها القرن (19) و التأثر والتأثير والتداخل والتفاعل الذي حصل بين الأدب والعلم في هذا القرن أدى الى بروز وانشاء نوع جديد من الأدب عرف بـ (أدب الخيال العلمي ).
وهوجديد نوعا ما على الأدب العراقي والأدب الكردي حيث لا توجد نتاجات أدبية من هذا اللون إلا القليل القليل نستطيع أن نعدها بأصابع اليد الواحدة ويرجع ذلك الى أسباب نؤجل ذكرها لحينا أخر ، والرجاء أن يدارك الأدب العراقي والأدب الكردي مافاته من حظ ونصيب في هذا اللون من الأدب مستقبلا .
مفهومه وتعريفه
عرف رؤوف وصفي (أدب الخيال العلمي)بأنه:
(ذلك الفرع من الأدب الروائي الذي يعالج بطريقة خيالية إستجابة الإنسان لكل تقدم من العلوم التكنولوجية سواء في المستقبل القريب أوالبعيد، كما يجسد تأملات الإنسان في احتمالات وجود حياة في الأجرام الفضائية الأخرى).
وعرفه أخرون بأنه :-
(أدب مملوء بالخيال يقوم على اكتشافات علمية أوتغيرات بيئية).
وأورد مبارك ربيع تعريفاً آخر للخيال العلمي على أنه (المادة القائمة على تشكيل عالم غير واقعي انطلاقاً من نظرية علمية غير واقعية، أي غير متحققة في الوقت الراهن، وبمعنى آخر إذا كانت المخيلة تشكل ما يضاهي الواقع فإن المخيلة العلمية تشكله بناء على ما يضاهي نظرية علمية).
الخيال أدب الخيال العلمي: هوالانتقال في آفاق الزمن، على أجنحة الحلم المطعم بالمكتسبات العلمية، وغالباً ما يطرق مؤلفو قصص الخيال العلمي science fiction أبواب المستقبل بتنبؤاتهم من دون زمن محدد. وفي قصص الخيال العلمي نظرة واسعة إلى العالم يدخل فيها العلم فيمتزج بحقائقه مع خيال الكاتب، وتُرسم أحداث تنقل القارئ إلى المستقبل، أوالماضي السحيق، فتثيره وتذهله.
والرابطة بين العلم والخيال رابطة مؤطّرة متماسكة، ومن يكتب في هذا النوع من الأدب لا ينجح إلا بثقافة علمية ممتازة يستخدمها في أحداث قصصه ورواياته.
نشأته وتطوره
في 19 7 1969 وطأ رائد الفضاء الأمريكي نيل أرمسترونج بقدمه أرض القمر كأول إنسان يفعل هذا في التاريخ محققاً انتصاراً رائعاً للبشرية كلها راح الجميع يتحدث عنه في انبهار وفرح ، والواقع أن فكرة السفر إلى القمر ظهرت في روايات الخيال العلمي قبل أن تقفز إلى عقول العلماء وتنطلق ( أبوللو– 11 ) إلى القمر بأكثر من قرن من الزمان ، ففي عام 1865 نشر الأديب الفرنسي الأشهر في عالم أدب الخيال العلمي جول فيرن رائعته ( من الأرض إلى القمر ) التي وصف فيها رحلة صاروخ ينطلق من الأرض إلى القمر حاملاً عدداً من الرواد بتفاصيل مذهلة تشبه كثيراً ما حدث بعد أكثر من قرن كامل في رحلة ( أبوللو– 11 ) ، ثم جاءت رائعة الأديب الإنكليزي العظيم هربرت جورج ويلز ( أول رجال على القمر) عام1901 والتي تحدثت بوضوح عن وصول الإنسان إلى القمر كنبوءة أدبية خارقة تحققت بعد فترة ..
وأدب الخيال العلمي ظهر بعد تفجر الثورة الصناعية والعلمية في بدايات القرن التاسع عشر وتطورها المذهل ليخرج لنا الأدباء عشرات القصص والروايات الممتعة التي تجمع بين جمال الأدب وسحره والعلوم والصناعات الحديثة في نسيج متناغم مدهش حمل الكثير في طياته غير المنتهية ، وعندما يذكر أدب الخيال العلمي لا بد أن يقفز إلى الذهن مباشرة اسمان أوروبيان كان لهما أكبر الأثر في تطوير هذا الأدب ودفعه إلى الأمام وهما جول فيرن وهربرت جورج ويلز ، فالأول الذي ولد عام 1828 في فرنسا وتوفي عام 1905 لم يكف خياله عن التوهج وتقديم الجديد طوال سنوات من الإنتاج والعمل المبدع ، قدم فيه الكثير خاصة بعد فشله في أن يكون كاتباً مسرحياً لامعاً ، ونجاحه الكبير في روايته الشيقة ( خمسة أسابيع في منطاد ) والتي ذاع صيتها في باريس كلها ، مما شجعه على الاستمرار في أدب الخيال العلمي والتخصص فيه كأول كاتب من نوعه آنذاك ، وراح يقدم روائعه التي أهلته لحمل لقب ( أبوالخيال العلمي ) بلا منازع في سلسلة أسماها ( رحلات فوق العادة ) والتي تضمنت ( الجزيرة ) و( رحلات الكابتن هاثيرا ) و( سيد العالم ) و( رحلة إلى مركز الأرض ) و( من الأرض إلى القمر ) و( 20 ألف فرسخ تحت البحر ) التي قدم فيها فيرن غواصة حديثة مزودة بكاشف الأعماق ( السونار ) وجعلها تبلغ القطب الشمالي في الوقت الذي كان فيه يعد هذا ضربا من الجنون ، ولكن ( السونار ) اخترع بالفعل قبيل الحرب العالمية الأولى ، ووصلت الغواصات إلى القطب الشمالي عام 1953 بعد تزويدها بالطاقة النوويـــــة ..
أهميته
ويذهب البعض في إيمانه بأهمية أدب الخيال العلمي الى حد القول “ان الخيال العلمي ضرورة لتوسعة القاعدة العلمية وجذب المواطن العادي للاستمتاع بالعلم واتخاذه أسلوباً في الحياة، وفتح نافذة على التقدم التكنولوجي في العالم”. ويرى مناصرو أدب الخيال العلمي أن هذا النوع الأدبي يسلّح الأطفال بالمعرفة العلمية المتجددة، والموهبة الأدبية الجادة التي تجعــــــل من الحل العلمي حلاً نهائياً لأي مشكلة في الحياة، بدلاً من قصص الرعب والجاسوسية والبوليسية التي تــــزرع في عقــــول الأطفال الطريّة بذور العنف والتدمير.
وظيفته
أ- إن الوظيفة الأولى لأدب الخيال العلمي هو إستثارة العقل وتحريض طاقاته الكامنة على الإبداع والابتكار وإيجاد الحلول المقترحة للمشكلات المعلقة التي لم يصل الإنسان بعلمه إلى تصور حاسم لمواجهتها، وإفتراض تصورات جديدة لإستثمار المعلومات والمعارف التي توصلت إليها البشرية حتى اليوم في إيجاد واكتشاف معلومات وحقائق جديدة عن الكون والحياة والإنسان.
ب- المهمة الثانية التي يقوم بها أدب الخيال العلمي هي تهيئة الإنسان المعاصر لمواجهة المستقبل ومواكبته بدل الاصطدام به، فالإنسان بدأ يعاني من صعوبة التكيف مع متغيرات العصر العلمي والتكنولوجي التي تتراكم بسرعة مذهلة، وتفرز معها أنماطاً جديدة من الحياة والسلوك والتفكير، وهذا ما أُطلق عليه المفكر المستقبلي المعروف الفين توفلر اسم (صدمة المستقبل)، وحذر منه.
ج- ثمة وظيفة ثالثة يؤديها أدب الخيال العلمي في حياتنا العربية المثقلة برواسب التخلف والمبتلاة بالأمية الحضارية والتكنولوجية في وقتٍ لم ننتهِ فيه بعد من مشكلة الأمية الأبجدية، ألا وهي زج الإنسان العربي في عصر العلم والتكنولوجيا، وتشجيعه على الإقتراب من هذا العصر بوعي وإهتمام، والإستعداد لمواجهة آثاره، والتكيف مع متغيراته وإستنهاض همّته لخوض التجربة الحضارية والإبداع من خلالها كما يبدع الآخرون، وتصبح هذه المهمة أكثر ضرورة وإلحاحاً عندما نتحدث عن الطفل وأدبه وثقافته.
د- الوظيفة الرابعة التي يجب أن يقوم بها أدب الخيال العلمي هوالمواءمة بين القيم الإنسانية والأخلاقية والروحية، وبين التقدم العلمي والتكنولوجي وأشكال الحياة المادية الجديدة، فعلى روايات أدب الخيال العلمي أن تبشر بنموذج إنساني راقٍ يستثمر منجزات العلم من أجل خدمة الإنسان وصيانة كرامته، وتحقيق العدالة بين سائر البشر، والارتقاء بمستوى الحياة فوق هذا الكوكب، لا أن تقدم نماذج الشّر التي تُستغل منجزات العلم من أجل السيطرة على الضعفاء واستمرار الكون وإعادة الأرض إلى قيم العصر البدائي الأول.
مستقبله
لقد اتسع إنتشار الخيال العلمي في العالم، وأصبح يفرض نفسه على النماذج الأدبية الجديدة، وهويعتمد العلم محوراً فاعلاً في أحداثه وأبطاله، ويلجأ بعض الكتاب المتميزين في فن القصة والرواية إلى الإستعانة بالعلماء لكتابة رواية أوقصة من الأدب العلمي، حتى لا يساء إلى هذا الأدب وحتى يتميز العمل الأدبي بمنطقيته العلمية الضرورية.
كما توجه الخيال العلمي مؤخراً إلى الأطفال إذ تخصص بعض الكتاب بكتابة أدب الخيال العلمي الموجه للطفل. وقصة الخيال العلمي قد تكون البديل الحقيقي لكل هذا الركام المطروح على الطفل بطريقة فجة لإدخال العلم بقوالب جامدة إلى رأسه الذي لا يتقبل حشر المعلومات العلمية مما قد يؤدي إلى انصرافه عن العلم أوعدم الاهتمام به. والعلم، كما هومعروف، هولغة العصر، والدور الحضاري لأية أمة من الأمم لا يكون إلا بالعلم وإبداعاته في مختلف جوانب الحياة.