وفي الختام :
· كنا نسبح في سيرة عروة بن الزبير العالم العابد الفقيه ، صنع منه الإسلام إماماً مقدماً تعنو له الرقاب ، وجعل منه قدوة صالحة للأجيال ، ومن خلال البحث خرجت بعدد من النتائج ، أهمها :
1. أن التاريخ مليء وغني بسير الأفذاذ من رجال هذه الأمة ، الذين يمثلون أروع القدوات والنماذج لمن اقتدى بهم ، واحتذى سيرهم ، وسلك مسلكهم ، وقراءةً أولاً وتمثلاً وعملاً ثانياً . فعلى المسلم الحريص على ثباته واستقامته صاحب الهمة أن يرجع إلى سيرهم ليرى معالجتهم للأمور وتحليلهم للمواقف ، ومن ثم الإستفادة من ذلك فـ :
اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر *** ضل قوم ليس يدرون الخبر
ففي هؤلاء العظماء كفاية عما بدأ يظهر في الأونة الأخيرة ، من الدعوة إلى الإقتداء بعظماء الغرب ، والسير على منوالهم ، وتطير سيرهم ، فهم أولى من أولئك الغربيين .
2. في هؤلاء الرجال من سلف الأمة الصالح قدوة كافية وزيادة ، لمن أراد الإقتداء بهم . من أننا لا ندعي لهم العصمة بل هم كغيرهم يصيبون ويخطئون ، ولكن كانت تصرفاتهم ومناهجهم تبعاً لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومن معنيهما .
أن في طيَات سير هؤلاء العظماء ومنهم عروة بن الزبير – ما يعين على فهم مستجدات الواقع ، ومحدثات الحياة من المواقف ومن الأحداث ، كما أن فيها مايعين على فهم الحياة وذلك من خلال إنزال تلك المواقف من السير على الواقع وعلى الحياة المعاصرة .
أن في سير هؤلاء العظماء دليل واضح على عظمة هذا الإسلام الخالد ، ومدى تأثيره في النفوس ، وقدرته عل صنع الرجال . وهذه ميزة تميز بها ديننا الخالد من بين سائر الدعوات ، حيث قدم الفكرة وقدم معهما آلآف النماذج العملية ، على حين اختفت الدعوات الأخرى بالأفكار النظرية ، المهلهلة التي تبعث بها أعاصير النقص ، ورياح الأهواء .
أن في سيرة الإمام عروة بن الزبير – رحمه الله تعالى – وغيره من العظماء السابقين والعلماء الصالحين ، دليل واضح على أن الإسلام هو الحل الجذري الأصيل ، والدواء العملي المجرّب وهو وحده طريق الخلاص مما تعانيه أمتنا من الضعف والتخلف ، ومن الفوضى والإنحلال ، ومن العجز عن إيجاد القادة والمصلحين .
· كذلك بعد الإنتهاء من البحث خرجت بعدد من التوصيات التي من شأنها- بإذن الله- أن تعين على رقي الأمة وعلى نهضتها ،ومن أهم تلك التي استشفيتها من خلال البحث ومحاولة رسم صورة كاملة لحياة هذا الرجل العظيم العلمية والعملية ، والإطلاع على عدد من المؤلفات التي ترجمت له ، كذلك من خلال الإطلاع على تراجم غير ما واحد ممن سُطِّرت سيرهم في تلك الكتب ، انتهيت إلى توصيات يسعف المجال إلى ذكر مايلي منها :
1. على الباحثين والمؤرخين والمفكرين والمختصين بالتاريخ ، وكذلك دور النشر أن يهتموا بنشر سير العلماء وسلف الأمة وتصنيف المصنفات فيهم ، فهم أولى من ألفت فيهم المؤلفات ، لأني رأيت في ذلك إخلالاً كبيراً وتقصيراً عظيماً ، ومن الأدلة الدالة على ذلك أني لم أجد لعروة بن الزبير سيرة ذاتية وترجمة مستقلة وهو من أكابر سلف هذه الأمة ، سوى رسالة علمية في مكتبة جامعة الإمام منعت من الإستفادة منها ، لعلة السنة الدراسية !! ومن الإخلال في الموازنات أنا نجد اهتماماً بعظماء الغرب وروادهم ، وتصنيف المصنفات فيهم على إهمال لقادة الإسلام .
2. على المهتمين بالتريبة ومن هم في حقول وبيئات تربوية أن يعنوا بإيراد سير أولئك العظماء لمن تحت أيديهم من المتربين ، والعناية بتصويرهم كقدوات الأمة والمجتمع .
3. من الجيِّد الإستفادة من موروثات أولئك العظماء وأن يعتني العلماء وطلبة العلم والمحاضرين بعقد الندوات والمحاضرات والكلمات عن هؤلاء العظماء ، سيرهم ومواقفهم واجتهاداتهم وربطها بالواقع والحياة المعاصرة .
4. على مؤلفي المناهج والمختصين بتأليفها ، أن يسطروا سيرهم في طيِّات المناهج ومن ثم إردافهما – أي سيرهم ومواقفهم وأحداث حياتهم – بالحياة الواقعية والمعاصرة لكي تتم الإستفادة من حياتهم وسيرهم على أتم وجه وأكمله .
غير أني بعد هذا كله أنبه على ضرورة الاهتمام بتأليف سيرهم وتسطير تراجمهم ، فإني كما أوضحت وجدت في ذلك اختلالاً في العمل والموازنات فعروة لم أجد له سيرة فهل من مبادر لها ، كما بادر عروة إلى تصنيف مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم(95) فأين المبادرون ؟!! .
وغيرها من التوصيات التي لم أشأ أن أفردها بنقطة مستقلة ، وأردفتدها في ما سبق من النقاط .
وختاماً:
رحم الله عروة بن الزبير ، ورضي الله عنه ، وأعلى في عليين مقامه ، ووفقنا للسير على نهجه وحشرنا في زمرته مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، فرحمه الله ما أصدق قول الشاعر فيه :
جمال ذي الأرض كانو في الحياة ، وهم *** بعد الممات جمالُ الكتْبِ والسِّيَرِ
وأسأل الله تعالى أن يتقبل هذا الجهد المتواضع ، وأن يسدد الخطأ ، ويصحح القصد ويصفي النية ، ويرزقنا الإقتداء بأولئك الذين قال فيهم : (( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
والحمد لله رب العالمين .