-1-
كان بنو إسرائيل يقيمون فى مصر منذ دخلوها مع أبيهم يعقوب فى عهد يوسف عليه السلام ،وكانوا يترفّعون على الشعب المصري لأنهم يرون أنفسهم شعب الله المختار.
كره المصريون ذلك وتضايق فرعون مصر، فاضطهدهم وسخرهم فى الأعمال الشاقة حتى انكسرت نفوسهم.
وفى جيل من أجيال بني إسرائيل ،نشأ شاب حسن الصورة قوي البدن ،واسع الحيلة اسمه قارون ،كان لا يفكر إلا فى نفسه وتحقيق أغراضه ،فظل يتودد إلى فرعون حتى أصبح من المقربين له ومنحه فرعون أرض ومال، وبذلك صار كبيراً فى قومه ،وكان يدعوهم للرضا بوضعهم وتقبّل ما هم فيه. فى هذا الوقت نشأ سيدنا موسى عليه السلام -وهو أيضاً من بنى إسرائيل -نشأفى قصر فرعون ، وكان يعمل لقومه ولا يهتم بنفسه ،وكان غاضباً لما يصيب قومه من ذل ،ولقد رأى يوماً مصرياً وإسرائيلياً يقتتلان ،فاستغاثه الإسرائيلي على المصري فضرب موسى المصري فقتله.وفى اليوم التالي تكرر ما حدث مع مصري آخر وعلم فرعون بأمر موسى فاتفق مع رجال دولته على قتله ،ولكن الله سبحانه وتعالى أرسل إليه رجلاً نصحه بالخروج من المدينة فتركها متجهاً إلى (مدين).
-2-
وكان قارون فى ذلك الوقت يجبر بنو إسرائيل على العمل فى أرضه، وكان ماهراً فى الزراعة والتجارة مهارة فائقة ،فاتسعت أعماله وزادت أعبائه، فآتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنؤ بالعصبة أولي القوة واقتنى من الأموال بكده وعمله ما يعجز الرجال الأشداء عن تحصيل مثله.
حتى جاء يوم وعاد موسى إلى المدينة مرة أخرى وبدأ بتجميع الناس حوله وحثهم على إستعادة حقوقهم ،فاجتمع قارون وفرعون وهامان وزير فرعون وقرروا مقاومة موسى.أما فرعون فجمع الناس وقال لهم :ما علمت لكم إله غيري.أليس لي مُلك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ؟
وأما قارون فجمع بنو إسرائيل وطلب رأيهم فمنهم من قال أن موسى يدعونا لترك مصر بخيراتها لنعود إلى فلسطين بقحطها ،وقال ثانٍ :أن فى فلسطين قوم جبارين فهل نخرج من ذل إلى ذل؟ ثم ظهر شاب متحمس فقال :يا قوم إن موسى يدعوكم إلى دين أبيكم إبراهيم وأنتم تؤثرون وثنية فرعون، إنما يريد لكم الكرامة .هاج قارون على الشاب ولكن أحد أتباعه هدأه، وقال له إن أتباع موسى هم بعض الشباب المخدوعين ببريق الحرية، وعاهدوه على العمل معه.
-3-
أثناء عودته من قصر فرعون، صادف أن قابل قارون موسى ،فخاف قارون من هيبة موسى ،فطلب منه موسى أن يعطي جزء من ماله كزكاة إذا كان فعلاً محباً لأهله من بنو إسرائيل ،ومن شدة جبنه وافق قارون، حتى ذهب موسى ثم بدل رأيه، بل وجمع أغنياء بنو إسرائيل وقال لهم أن موسى يريد أخذ أموالهم وتفريقها على أعوانه ، فاتفقوا على عدم دفع الزكاة ،فأرسل موسى بعض الصلحاء إلى قارون ليعظوه وقالوا له أنه نبي الله ولكنه قال لهم إنه ليس نبي وإنما هو ساحر.فحاولوا معه مرة أخرى ولكنه اغتاظ من موسى وبحث عنه فوجده يقف مع عدد كبير من أتباعه يريدون أن يخرجوا معه من مصر ،فقرر قارون أن يخرج إليهم في أبهى موكب بالخيول والزينة وحوله العبيد .فلما رآه الناس أنقسموا فريقين : فريق فتن بتلك الزينة وقالوا :يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون !والله إنه لذو حظ عظيم .أما العقلاء فلم يغترّوا بما رأوا وقالوا ثواب الله خيرٌ لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون.
واختلط الفريقان فتركهم قارون وهو فرح بهذا الفساد الذي أحدثه.
"فخرج على قومه فى زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم..وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خيرٌ لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقّاها إلا الصابرون..فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين."
-4-
عاد الناس مرة أخرى للإلتفاف حول موسى فعاد الحقد إلى قارون وفكر فى مؤامرة جديدة.فأحضر إمرأة فاسدة وطلب منها أن تخرج للناس فتسئ إلى موسى ،فثار الناس، ولكن سيدنا موسى رفع يديه إلى السماء ودعى الله أن يتوب عليها لتشهد بالحق .فما سمعت المرأة الدعوة حتى أحست كأن نوراً أضاء قلبها فاعترفت بما اتفقت عليه مع قارون فهاج عليه الناس حتى سقط مغشياً عليه .
"يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرّأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً."
دعا موسى ربه أن يخسف الأرض بقارون وداره وأمواله فاستجاب الله له وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون :ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر.
"إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنؤ بالعصبة أولى القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين. "