كثيرا ما سمعنا عن أطفال مصابين بالإعاقة العقلية وأنه يصيب الفرد فيجعله يختلف عن الذين يعيش معهم وكم رأينا في شوارع منطقتنا أطفال يتسمون بسمات تميزهم عن غيرهم في الشكل، حتى إن الأطفال الصغار كانوا يخشونهم ويهربون عند رؤيتهم فزعين إلى منازلهم، أو يطلقون عليهم مصطلح (الجنون)، كنا نرى كل هذا من دون علم بحقيقة الوضع الذي يحياه هذا الفرد المصاب بالإعاقة العقلية، لهذا اخترنا هذا الموضوع عنوانا لبحثنا لنتعرف على الأسباب المختلفة للإصابة بالإعاقة العقلية وندرك حقيقة أمرهم لنتلافى إنجاب أطفالا مصابين بإعاقة عقلية.
وسوف نتحدث عن الأسباب الوراثية والتي تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي انتقال خصائص وراثية شاذة وعوامل بيولوجية أخرى وأخيرا التشوهات الخلقية.
العوامل الوراثية
هناك أسباب كثيرة يمكن أن تسبب الإعاقة العقلية والتي هي من الظواهر التي تعاني منها نسبة كبيرة من سكان العالم، فمنها ما هو معروف والبعض الآخر غير معروف ومن الأسباب المعروفة التي تؤدي إلى الإعاقة العقلية وهي الأسباب الوراثية والأسباب البيئية وسوف نستعرض كلا من هذه الأسباب على حده والآثار المترتبة عليها.
* الوراثة
إن تطور الكائن الإنساني يتأثر بعاملين أساسيين هما الوراثة التي تتوارث الأجيال اللاحقة خصائصها وقدراتها البيولوجية من الأجيال السابقة، والثاني هو البيئة وتشمل (البيئة الاجتماعية والمادية)، فالوراثة يعنى بها جميع المؤثرات التي تنتقل بيولوجيا من الآباء إلى الأبناء في لحظة التلقيح .
وحيث يحدث في تلك اللحظة أمورا ثلاثة عظيمة الأهمية في حياة الفرد وهي:
ــ يكتسب الفرد جميع إمكاناته الوراثية.
ــ يتحدد جنس الكائن في تلك اللحظة.
ــ قد يحدث في تلك اللحظة أن يتم أكثر من تلقيح واحد.
ولذلك نرى أن الوراثة عامل هام في التطور الإنساني وإن الجينات هي الوسيلة المباشرة للوراثة، ومن هنا تظهر السمات الوراثية لكل من الوالدين في الجنين ومن ضمن تلك السمات وراثة الإعاقة العقلية والتي تلعب الوراثة دورا كبيرا في حدوث الإعاقة العقلية ولا سيما إذا كان أحد الوالدين يعاني من إعاقة عقلية.
* مفهوم وراثة الإعاقة العقلية
قبل التطرق إلى الأسباب التي تؤدي إلى الإعاقة العقلية يجب معرفة مفهوم وراثة الإعاقة العقلية وكيف تتم تلك الوراثة….
يرى بنروز (Penrose) أن الطفل قد يرث الإعاقة العقلية من والديه وأجداده عن طريق جينات سائدة، والتي تؤدي إلى الإعاقة العقلية، التي تظهر في جميع الأجيال بنسبة 1:3 بحسب قانون مندل في الوراثة، وتنتج هذه الإعاقة عن طريق اقتران كروموسومات أو جينات غير متآلفة.
وقد يرث الطفل الإعاقة العقلية من والديه وأجداده عن طريق جينات متنحية تؤدي إلى إعاقة عقلية متنحية (والمقصود بالجينات المتنحية هي التي لا تظهر على أي من الوالدين ولكنهما حاملان لها وقادران على توريثها). وينتج منها خصائص مرضية واضطرابات بيوكيميائية تنتقل من الوالدين أو أحدهما إلى الجنين فتؤذي دماغه وجهازه العصبي. وتأتى وراثة هذه الخصائص من الجد الأعلى، ويحتمل ظهورها في زواج الأقارب أكثر من زواج غير الأقارب، وتسبب حوالي 20% إلى 40% من حالات الإعاقة العقلية الشديدة، والمتوسطة.
مما سبق يتضح لنا أن وراثة الإعاقة العقلية تعني إما يكون الطفل قد ورث خاصية مرضية بيوكيميائية تتلف خلايا دماغه وجهازه العصبي، ومن ثم تؤدي إلى إعاقة عقلية، ونرى أن تلك الخاصية يحتمل ظهورها بشكل كبير الأقارب.
* كيف تتم الوراثة؟
اختلفت الآراء حول الطريقة التي تنتقل بها الإعاقة العقلية من الآباء إلى الأبناء، فظهرت عدة نظريات حيث افترض بعض الباحثين أن الإعاقة العقلية مرض كالزهري والسل ينتقل عن طريق جرثومة موجودة في دم الوالدين أو أحدهما، وتنتج عن إدمان شرب الكحوليات والمخدرات والتسمم بالرصاص وزيادة نسبة النيكوتين والنيترون في الدم.
وافترض باحثون آخرون إن التخلف العقلي ينتقل عن طريق الجينات بنفس الطريقة التي تنتقل بها الخصائص الجسمية والنفسية الأخرى.
لذلك فنرى أن الطريقة أو الافتراض الثاني أفضل من الأول وذلك لأن الإعاقة العقلية ليست مرضا ولا توجد جرثومة معروفة تسببه ، لكن الافتراض الثاني بوراثة الإعاقة العقلية عن طريق الجينات فهو افتراض مأخوذ به ومعروف، وذلك لأن الجينات هي التي تحمل الخصائص الوراثية، وتحدد صفات الطفل الجسمية والنفسية والتي تأتيه من والديه وأجداده.
تتم وراثة الإعاقة العقلية عندما يخترق الحيوان المنوي للذكر الغلاف الخارجي للبويضة الأنثوية حتى يلتصق نواته بنواتها، فتنشأ الخلية الأولى التي تضم 46 كر وموسوما ( 23 كروموسوما من الأب و23 كروموسوما من الأم).
ويحمل كل كروموسوم مئات الجينات التي تحمل الصفات الوراثية، وتنقلها من الآباء إلى الأبناء، فإذا كانت الجينات في الوالدين متماثلة ظهرت الصفة الوراثية التي تحملها الجينات بصورة أصيلة، أما إذا كانت الجينات غير متماثلة، فتظهر الخاصية الوراثية من جديد في الأجيال القادمة. وهذا يعني وجود جينات تحمل خاصية الإعاقة العقلية عند كلا الوالدين يجعل احتمال ظهور الإعاقة العقلية في أبنائهما كبيرا، وينخفض هذا الاحتمال إذا كان أحد الوالدين يحمل الخاصية والآخر لا يحملها، لأن في هذه الحالة إما أن تظهر خاصية الإعاقة العقلية في الأبناء، أو تختفي لتظهر في الأحفاد عندما تتوافر لها الظروف المناسبة.
لذلك فيجب على الأشخاص قبل الزواج القيام بفحص أنفسهم في المستشفى وذلك للتأكد من عدم وجود أي عوامل جينية التي تؤدي إلى الإصابة بالأمراض الوراثية والتي منها الإعاقة العقلية.
* الأسباب الوراثية للإعاقة العقلية
على الرغم من كثرة الأسباب الوراثية التي تسبب الإعاقة العقلية وتنوعها فقد أصبحت بعض هذه الأسباب معروفة عند الأفراد والبعض الآخر غير معروف، ولقد قسمت الأسباب الوراثية المعروفة التي تسبب الإعاقة العقلية إلى ثلاثة أقسام وهي انتقال خصائص وراثية شاذة، عوامل بيولوجية والتشوهات الخلقية وسوف نستعرض كلا منها على حده للتعرف على تقسيماتها والعوامل المرتبطة بها.
* انتقال خصائص وراثية شاذة
قد يصاب الطفل بالإعاقة العقلية لا بسبب أن والديه معاقان عقليا فقط، ولكن بسبب انتقال خصائص وراثية شاذة، تؤدي إلى اضطراب في التمثيل الغذائي في خلايا الجسم، وبالتالي ينتج عنها تلف في خلايا الدماغ والجهاز العصبي والذي يؤدي إلى الإعاقة العقلية .
وقد كشف العلم في الخمسين سنة الماضية عن وجود نوعين من الخصائص الوراثية الشاذة وهي:
* شذوذ الكروموسومات
* شذوذ الجينات.
وسوف نتناول كلا منها على حده والأعراض المرتبطة بها وكيفية حدوثها.
# شذوذ الكروموسومات:
الكروموسومات عبارة عن مكونات الخلية وهي صغيرة جدا يحمل كلا منها مئات الجينات ويمكن ملاحظتها خلال انقسام الخلية في الإنسان. وتحتوي خلية الإنسان على (46) كروموسوما مرتبة في (23) زوجا وكما هو معروف فإن الكروموسومات تحمل الجينات التي تحدد الميراث البيولوجي للفرد، باستثناء رقم (23) والذي يعتبر مسؤولا عن تحديد جنس الجنين. وفي بعض الأحيان يحدث خلل أو اضطراب في انقسام الكروموسومات أثناء نموها وانقسام البويضة الملقحة مثل:
ــ انشطار أحد الكروموسومات بشكل غير طبيعي.
ــ زيادة في عدد الكروموسومات
ــ حدوث خطأ في التصاق كروموسوم بآخر
ــ نقصان في عدد الكروموسومات
وهناك عوامل مختلفة قد تؤدي إلى شذوذ الكروموسومات مثل التعرض للإشعاعات الضارة والإصابات الفيروسية الشديدة أثناء الحمل وتأثير العقاقير الطبية والمواد الكيماوية المختلفة.
مما سبق يتضح لنا أن الكروموسومات عامل مهم جدا في إصابة الجنين بالإعاقة العقلية أو في سلامته من الأمراض، حيث إن حدوث أي خلل في تركيب تلك الكروموسومات أو في انقسامها يؤدي إلى الإصابة بالإعاقة العقلية وقد وجدنا أن هنالك بعض العوامل التي تسبب حدوث ذلك الشذوذ وبذلك تستطيع أن تتجنبها الأم الحامل وذلك حفاظا على صحة جنينها من الإصابة بالأمراض المختلفة، وسوف نستعرض بعض الأعراض المرتبطة بشذوذ الكروموسومات ومن أهم هذه الأعراض:
* عرض داون (Down Syndrome)
اكتشف الطبيب (Langdon Down) الأعراض المرتبطة بحالة الإعاقة العقلية المعروفة بالمنغولية وذلك لوجود التشابه بين الشعب المغولي والمصابين بمتلازمة داون من ناحية بعض الملامح الخارجية ولكن هذه التسمية تغيرت وذلك لما تحمله من مضامين عنصرية فلذلك تم استخدام مصطلح متلازمة داون بدلا من تسمية المنغولية. وتسبب تلك المتلازمة حوالي 10% من حالات الإعاقة العقلية الشديدة والمتوسطة، وقد أشارت الدراسات إلى أن متلازمة داون تحدث بنسبة 1:100 أي إن طفل واحد يعاني من المرض في كل ألف ولادة، وهذه النسبة تزداد بحسب عمر الأم عند الحمل.
ويعتبر سن الأم عند إنجاب الطفل من أهم الأسباب المرتبطة بحدوث هذا المرض، فقد لوحظ أن كبر سن الأم وإنجاب أطفال مصابين بمتلازمة داون أمران مرتبطان، كذلك تبين أن احتمال إنجاب طفل مصاب بمتلازمة داون يزداد بازدياد سن الأم ابتداء من سن الثلاثين حتى يصل إلى ذروته فيما بين سن الخامسة والأربعين وسن التاسعة والأربعين.
لذلك فيجب على النساء أن يلتزموا بإرشادات الطبيب وأن يقوموا بمراجعته دوريا أثناء الحمل وأن يمنعوا عن الحمل بعد سن الخامسة والثلاثين ففي هذا السنة كما لاحظنا أنه تكثر فيه نسبة الإصابة بالإعاقة العقلية.