الحمد لله مدبر الشهور والأعوام , ومصرف الليالي والأيام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للأنام ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام . أما بعد أيها الأحبة الكرام .
قبل ألف وأربعمائة وإحدى وعشرين سنة كانت هذه الأرض أرض الحرمين على موعد مع حادثة عظيمة وقصة مثيرة ، نصر الله بها الدين ، وقلب بها الموازين .
من منا لا يعرف هذه القصة ، وحرف الهاء الذي يشير إليها لا يغيب عن أنظارنا ، فهو بجانب كل رقم نؤرخ به أيامنا .
مكة .. محمد صلى الله عليه وسلم .. أبو بكر ... قريش .. مؤتمر الندوة .. الاغتيال .. الغار .. العنكبوت .. ذات النطاقين .. سراقة .. أم معبد .. الأنصار .. المدينة النبوية .
هذا أيها السادة هو موجز أنباء القصة .
وإن في السيرة لخبرا ، وإن في الهجرة لعبرا ، وإن في دروسها لمدكرا ... فإلى تـفاصيل القصة .
مكث عليه الصلاة والسلام ثلاثة عشر عاماً بمكة يدعو إلى لا إله إلا الله .
سنوات طويلة من التعذيب والإيذاء .. والتشريد والابتلاء .
وبعد اشتداد الأذى ينام عليه الصلاة والسلام في ليلة من الليالي على فراشه فيرى دار الهجرة وإذا هي أرض ذات نخل بين لابتين .. إنها طيبة الطيبة .
ومن مكة تنطلق ركائب المهاجرين ملبيةً نداء ربها .. مهاجرةً بدينها ..مخلفةً وراءها ديارها وأموالها .
ويهم أبو بكر بالهجرة فيستوقفه الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول : لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً .
وعلى الجانب الآخر تشعر قريش بالخطر الذي يهدد كيانها بهجرته عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ، فتعقد مؤتمراً عاجلاً في دار الندوة ( برلمان مكة ) للقضاء على محمد قبل فوات الأوان . ويحضر الشيطان معهم على صورة شيخ نجدي قال بعضهم : احسبوه في الحديد حتى يموت ، وقال بعضهم : أخرجوه وانفوه من البلاد ، وبعد أن قوبل هذان الاقتراحان بالرفض تقدم فرعون هذه الأمة أبو جهل برأي خبيث ماكر فقال : أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتىً شاباً جليداً نسيباً ثم نعطي كل فتىً منهم سيفاً صارماً فيضربون محمداً ضربة واحدة فيقتلوه فيتفرق دمه في القبائل . فأعجب القوم بهذا الرأي حتى إن الشيطان الذي لم يستطع الإتيان بمثله أيده وقال : القول ما قال الرجل هذا الرأي لا أرى غيره .