وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وفي الطريق كان الناس يتلقونه، فلا يمر بدار من دور الأنصار إلا دعاه أهلها إلى النزول عندهم ويقولون:أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة, ويمسكون بزمام ناقته القصواء وقد أرخى لها زمامها، فيقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خلوا سبيلها فإنها مأمورة "
ووقع ذلك مرارًا، ولا شك أنها كانت معجزة جعلها الله تعالى لنبيه تطيبًا لنفوس أصحابه ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم بحي من بني النجار إذا جوار يضربن بالدفوف ويقلن
يا حبذا محمد من جار نحن جوارمن بني النجار
وسار الأنصار حوله حتى إذا أتى دور بني مالك بن النجار بركت الناقة في موضع المسجد النبوي اليوم، وهو يومئذ مربد(وهو الموضع الذي يجفف فيه التمر)لغلامين يتيمين من بني النجار يقال لأحدهما سهل والأخر سهيل
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الناقة فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد النجاري الخزرجي رحله فوضعه في بيته، ودعته الأنصار إلى النزول عليهم فقال عليه السلام:المرء مع رحله، ونزل صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه
ونزل عليه السلام في السفل من البيت وكره أبو أيوب وأعظم أن يكون في العلو، فطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون في العلو ويكون هو رضي الله عنه وعياله في السفل، فقال الرسول:"يا أبا أيوب:أن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت", وكان أبو أيوب الأنصاري عظيم الفرح بنزول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته كثير الاعتداد والاهتمام بضيافته
يقول أبو أيوب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفل البيت وكنا فوقه في المسكن، فلقد انكسرت حب لنا فيه ماء فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا مالنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفًا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه, وكنا نضع له العشاء ثم نبعث إليه فإذا رد علينا فضلة تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة
وصادف إبان الهجرة أن كانت المدينة موبوءة بالحمى، فلم تمض أيام حتى مرض أبو بكر وعامر بن فهيرة وبلال واستوخم الصحابة جو المهجر الذي آواهم واستيقظت غرائز الحنين إلى الوطن المفقود، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء قائلاً:"اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها واجعلها بالجحفة"