نفس هي خلاصة الإنسان، وهي ملك لخالقها، ومن صنعه، هو ـ سبحانه وتعالى ـ الأعلم بها، ولا يكلفها إلا وسعها، وهي ـ في نفس الوقت ـ الشغل الشاغل (الرئيسي) والقضية الأولى لكل عاقل وهذا الاهتمام نابع من الحب الفطري للنفس والذي بدونه لا يوجد للحياة معنى. إن اهتمام كل فرد بنفسه صفة تسيطر على غالبية البشر، فحب النفس فطري ، للحفاظ عليها لأن النفس هي أول محاور الرؤية ومركز التفكير ونقطة بداية الشعور، وضياع النفس يعني ضياع المعاني واضطراب الأشياء واختلال الموازين العقلية.
وحين نتأمل النفس ـ كما دعانا ربنا ـ سنجد أن جوهر النفس هو العقل، وحين يغيب العقل تنكمش النفس وتتجمد. ويتعذر الإحساس بأي شيء بدون العقل، والشعور بالسعادة أو بالشقاء يكون عن طريق العقل. والمعرفة مستحيلة بدون العقل، وأفضل وأنفع المعرفة ـ على الإطلاق ـ هي معرفة العقل لخالقه، ثم معرفة المرء نفسه، فلا يمكن معرفة النفس بدون معرفة خالقها ومراحل خلقها وغايتها.
الإنسان يحب نفسه وما يتعلق بها حباً يفوق إدراكه، فهذا الحب الفطري أعمق في اللاوعي من أي فلسفات. والحب ينبع من النفس ويفيض منها على الآخرين،. وقد يزعم الانسان ـ أو يحسب ـ أن نفسه قد سمت وخف حبه لها ولكن حين يأتي المحك العملي ويمس شخصه أحد بما يخدش اعتزازه بنفسه، أو يجد من يعمل ضد مصلحته ـ التي يراها هو ـ عندئذ ينتفض فجأة كما لو كانت قد لدغته أفعى! فيشعر بألم معنوي، وقليل من يستطيع السيطرة على الموقف وكتم غيظه وحبس غضبه في أعماقه، وأقل منه من يتسامح من أجل غاية أسمى يرجوها ـ لنفسه أيضاً ـ عند الله. وليتأمل كل منا شعوره حتى في حال الثناء، أي حين يمدحك زميل، فيشعر الانسان بالسرور حال المدح، وعندما تخف درجة المدح وتأتي عبارة: (ولكن هناك ملاحظة بسيطة أرجو لفت إنتباهك إليها)، عندئذ يبدأ الحال ـ عند معظمنا ـ في التغير مع لفظ (ولكن)، وقبل ذكر الملاحظة، حتى ولو كانت الملاحظة نصيحة مخلصة! فحب النفس زرعه الله فيها كدافع ذاتي للحفاظ عليها وعلى مصالحها، والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم بخلقه، وهو أحكم الحاكمين.
لكن يجب أن نسيطر على حبنا لأنفسنا ، فلا ندعه يزيد الى درجه يصبح فيها حب غير عقلاني وغير طبيعي حب أناني .. هنا سوف يظهر الغرور و الأنانية و التكبر والكره للآخرين .....
إن الأنانية والتكبر والغرور تجر الإنسان دائما إلى الفساد ، فالفساد الذي يحصل في العالم سببه الأنانية وحب المال والجاه والسيطرة وكره الآخرين وأمثال ذلك ، وكل هذا يعود إلى حب النفس، و كسر هذه الخصلة يستلزم الكثير من الجهد و الصبر والقوانين و أعظم من كل هذا الإيمان بالله تعالى حق الإيمان و معرفة قدرة الله و أن الرزق بيد الله و من عند الله تعالى وحده .
إن أردنا أن نصلح و نعمر فيجب أن تكون أعمالنا من أجل الشرف والمباديء و ليس لأجل ملء البطون و جمع الثروات و الشهرة ... فلنتبع سبيل الله و نتجنب حب الأهواء و غرور
النفس.